القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

نقد ادبي: «الانتحار بسم الانفعال» (عن كتاب قتل الأب في الأدب) سليم بركات نموذجاً لإبراهيم محمود

 
الأربعاء 19 اب 2009


  غمكين مراد

عندما أنهيت قراءة كتاب إبراهيم محمود الصادر عن دار الينابيع بعنوان "قتل الأب في الأدب" (سليم بركات نموذجاً)، توقفت مطولاً على أن أوسم هذا الكتاب أو أدرجه في خانة النقد أو البحث مع العلم أن إبراهيم محمود كتبه على أنه دراسة،
لم أفلح في ذلك ولم أقتنع بحسب ما انتهيت إليه بعد القراءة أن الكتاب يعدُّ دراسة وذلك للأسباب التالية :
أولاً: أن الكتاب مفعم بالتعابير الشخصية من قبل الكاتب اتجاه سليم بركات.
ثانيا: الانتقائية السلبية (من وجهة نظري) لمواضع القصائد والروايات المقتبسة. بما تتضمن من مقاصد يفسرها الكاتب على أنها لسليم.


ثالثا:هو تأكيد الكاتب نفسه أنه عمل على كتابة هذه الدراسة كما يقول كرد فعل لأناس يرون غير ما يراه أو بالأحرى متأثرين بسليم بركات. ولكي لا أعنون هذه المقالة بعنوان لا ينسجم مع ما قلته في البدء سأحاول أن أكتب وأستشهد من كتاب الكاتب نفسه وسأبدأ من حيث انتهى هو.      يورد إبراهيم محمود في نهاية كتابه : " في الختام المفتوح ، ورد في مستهل مقالٍ لغار ودي عن بيكاسو ، ضمن كتابه ((واقعية بلا ضفاف)) والمترجم إلى العربية في القاهرة منذ عام 1968 :(تساءل بيكاسو إثر إطلاعه على كتاب يتناول سيرته : وهل أنا من سكان المريخ؟ ثم أسدى للمؤلف النصيحة التالية :يجب أن تضيف فصلا تقول فيه أن بابلو بيكاسو له ساعدان وساقان ورأس وأنف وقلب ، وكل مظاهر الكائن البشري).
لا أوضح مقصدي من المقتبس الأخير هذا، إنما أتركه للقارئ، أي قارئ حرفي، يقلب المعنى على وجوهه ولا يكتفي بمعنى واحد، أحادي، كما هو شأن من كانوا سبباً مؤثراً فيما أثرته أنفاً. أكتفي بذلك " (ص 367).
إن إنهاء الكاتب بهذه العبارات كتابه تؤول دون حرفية يريدها الكاتب متن الكتاب وتبين المقصد من كتابة هذا الكتاب وجملته الأخيرة" أكتفي بذلك " تشي بأن لديه من مكنونات نفسه الكثير مما لم يُشفي غليله وكل هذا اكتبه من وحي النتائج التي استخلصتها والتي سأعرج عليها بأسلوب بعيد عن أسلوبه البعيد عن الموضوعية في كتابة هذا الكتاب.
إن إبراهيم محمود وانطلاقا من احترامي للكم الكبير لقراءاته ووقته المخصص لذلك على حسب ما أسمع ، أجده في هذا الكتاب غائبا عن الموضوعية نقدًا ودراسة وإن كتابه هذا ليس إلا انفعال مشوّب بغيرة مضمرة لا أجد مبررا لها، طالما هو يكتب النقد والدراسة وسليم يكتب الشعر والرواية وكلاهما كرديان يكتبان بالعربية .
إن إبراهيم محمود في كلامه الأخير عن بيكاسو يريد من سليم بركات موقفًا كموقفه حول الكتابات التي تطاله وهي قليلة وأغلبها من بني ملته الذين يستمتعون ويفتخرون بكاتب منهم يدوّن أفصح وأوسع من أصحابها، الذين يتغاضون عن إبداعات سليم إلا ما ندر، ولولا ذلك لما كانت الكتب النقدية عن كتاباته قليلة وهذا ما عبر عنه سليم في إحدى حواراته .
إن استخدام إبراهيم محمود لجمل ك ",...حين يزعم أنه كاتب روايات أو مجموعات شعرية أو نصوصًا أدبية..."ص(111)
و"....بركات هذا.."ص(146) ليست إلا دلالات تضفي على كتابته المسلك الشخصي الانفعالي والبعيد عن النقد الأدبي والدراسة ، وكذلك حين يتهم سليم بركات بأنه يعتبر نفسه المتكلم باسم الجميع وأنه كتب وقائع في عمر لا يناسب ذاكرته أي أنه يشكك في ذاكرة سليم وكأن سليم مؤرخ يدون تاريخ عمودا و القامشلي وليس بأديب يداعب بخياله الحدث وإن كان واقعيًا ومعروفًا في المكان المسرود فيه ، إذ يعتبر الأستاذ إبراهيم أن عمر التاسعة غير كاف لاستيعاب كل ما مر به سليم وإن ما كتبه فيما بعد يعتمد على ذلك العمر. كما أنه يعتبر كتابة سليم للسيرتين إنما فقط لهتك المجتمع من خلال الجنس، وشماله ليس إلا جهة واحدية مخفية وراء عدة أقنعة .
يقسم إبراهيم محمود مضامين كتابات سليم، السيرتين ودواوينه إلى مشاهد ويعلق عليها مستشهدا بكتابات سليم ويعبر عن كل مشهد برأيه (وهو حر في ذلك) ، إلا إن ما يجعلني أقف عند هذه النقطة هو القاسم المشترك بين هذه الآراء حول المشاهد والتي تتلاقح كلها في خانة الشخص (سليم) وسأورد أمثلة على ذلك:
في المشهد المكاني : يتوصل إبراهيم محمود إلى المكان (شمال سليم أو شمالاته) يعتبرها" دراسة مضمرة" ص (121) وأنا أوافقه في ذلك إلا أن ما يرمي إليه الأستاذ محمود هو أن سليم يتخفى ككردي وراء هذا الشمال منسلخًا ! وكأنه لم يرتديه مطلقا وما يخفيه برأي الأستاذ إبراهيم أشياء بعيدة عن التصاق سليم بمكان ولد وشاب فيه ؟
في المشهد الحيواني:  يتوصل الأستاذ إبراهيم محمود إلى أن الزخم الكبير من الحيوانات في كتابات سليم والمعلومات التي يتعلق بها ، إنما هي دراسة تؤول إلى التطفل أو التقنع وراء شيفراتها، بالنسبة للشق المتعلق بالتأويل أي أن حيوانات سليم هي  دراسة لا افهم المقصود حقا؟ وإنما أنها تؤول إلى التطفل أو التقنع وراء شيفراتها فهي بحق جملة لا اقبل حتى التوقف عندها،
والسبب يعود في ذلك في رأيي إنما تزخر به كتابات سليم من حيوانات لها دلالاتها في سياق المكتوب من النص وتعتبر جزءًا من مفهوم الإخراج السينمائي إذا جاز لنا القول تخدم النص كديكور أو كإضاءة..... وليست الكثرة والتنوع فيها تهربًا ومجرد إبراز معرفة بهذه الكائنات حتى يتستر سليم وراءها ، وإنما هو الشغف بالحيوان الذي بقي محافظا على خاصيته عكس الإنسان الذي تجرع أوهاما رغم تميزه لا تجسد ما يتطابق ومفهوم الإنسان .
وفي سياق حديثه عن سليم عند تأويل بعض النصوص المنتقاة يصل الأستاذ إبراهيم إلى إن سليم يزيد من تفخيم الأنا ويجعل الناقد تائها ويصل إلى نتيجة نهائية من وجهة نظره أنه يستطيع تحديد غائية سليم بركات حتى قبل الكتابة ويحدد ذلك في : 1)اتجاه نفي الأخر وتقديمه من خلال رمزيته عبر النار ، فالنار إلغاء كلي ، وإحياء.  2)  اتجاه تأكيد الذات، ومن خلال تجذير القوة الدافعة لذلك . وفي ص(161) يقول :"التكرار عند سليم يبرر فقط لأنه أب كلي اليقين بذاته ، ..." ويسميه الأب الموسوم. كما إن إبراهيم محمود يشخص (يفلج) شخص سليم بركات بجعله ايروسياً (حافظ الحياة في الجسد) في نصف ذاته وثاناتوسياً (مدمرا للحياة) في نصفه الأخر ويصل إلى إن سليم -مجرد- أو كما يعتبره -مطلقا- ومن وجهة نظره أنها تمثل غاية سليم بركات ، وفي نفس السياق يوضح بأن الأنثى والذكر هما مسكونان بذات الشاعر فبركات يدفع ويغصب من ذاته بذاته على حد قول إبراهيم محمود وبالتالي ( والرأي لإبراهيم محمود) سليم هو الأب الذي يجد نفسه في الشعر بعيدا عن الذي كان أبا له، وعن الذي يكون ابنا له إلا باعتبار الاثنين معروفين من جهته وهي حالة القيمومة الكبرى الدالة عن رضا الأب عن نفسه. من كل هذه المصطلحات و التعابير الدائرة كفقاعة صابون في الهواء لا أجد إلا إن هذه الفقاعة تنفجر أمام وجه إبراهيم محمود فتجعله يغمض عينيه عن النص ويخيل إليه شبح سليم بركات شفافًا، مخفيًا، هاجساً ككابوس ، وصدقا أقول إما أن إبراهيم محمود لا يستطيع أن يجاري جزءا يسيرا من خيال بركات وتشعبات كلماته المتعبة عليها ، أو إن هناك إحساس دفين يدعوه للانفعال بهذا الشكل الطبيعي لإنسان يحب ويكره وليس لناقد يؤول أو يبحث.
في المقطع الشعري التالي لسليم بركات : "أتقدم  وأنا أمسك عصفورا واشم جناحيه ........" ص(167) يؤوله إبراهيم محمود ويفتح شيفرة الدلالة فيه وهي إن ما يريده سليم من هذا المقطع أو غرضه أو ما يصوره هو فقط جنسي لا غير وينهي الأستاذ إبراهيم حديثه هكذا < لا يرعبن أحدٌ ما هو مثار هنا – تفسيره للمقطع- لا يوجهن لقول فيما لست معنيا به، أو أريد الجزم به، أنه القول المنفتح على دلالات، وأن الدلالة الأكثر استقطابا لمعنى قائم ، هو ما أشرت إليه >ص(168)، فبالرغم من اعترافه بأن المقطع منفتح على دلالات، إلا إن دلالته (الجنس) هي الأكثر قربا وذلك في هذا المقطع المأخوذ من سياق متراكم، متراكب، زخم بالأبعاد ، بالأماكن، بالجهات وبتفاصيل يصعب انفصال الأفكار فيها ولكن إبراهيم لا يقف إلا عند هذا الجنس الذي يغريه أو يجعله سمة منتقاة لشغف سليم به وهذا ما يثبته حين ينتقل إلى المشهد الروائي فيعمل على غربلة الروايات ويلتقط منها ما هو جنسي وهذا يدعو إلى ما أشرت إليه وهو الطعن في توسع سليم خيالا وغاية وإسقاطا وعلى حسب مقصد إبراهيم إنما هو خارج من ذاته ليعود إليه لا غير.
في المشهد الروائي :أبدأ من أول رواية لسليم بركات وهي فقهاء الظلام وما كتبه الأستاذ إبراهيم محمود عن ما انتقاه منها وما يخدم كيدية كتابته فلا يختار منها إلا ما هو شبقي أو ما يدل على الانغلاق والتخلف مُخرجًا إياها من سياقها الرئيسي والذي يتمثل في محنة ولتكن لعائلة إلا أنها من وجهة نظري تتجاوزها إلى أمة تتسابق فيها السنين ليغدو اليوم عمرًا بأكمله نتيجة الألم والخناق المفروض عليها .
ويؤطر إبراهيم محمود رأيه في هذه الرواية بجمل لا تنم إلا عن شيء دفين تجاه سليم " للقاع النفسي للكاتب .."ص 227
ومن ثم يقول أن الكتابة الروائية عند سليم بركات هي مغامرة للانتقام ص 228 ، كما كانت الكتابة الشعرية عنده تدريب على الرؤيا ص 228
في ثلاثية سليم ( الفلكيون في ثلاثاء الموت) يعترف مشكورًا وأقصد الأستاذ إبراهيم محمود على أنه لا يستطيع التعرض لكل الوارد فيها ص 228 أي في الأجزاء الثلاثة وهي (عبور البشروش- كبد ميلاؤوس- الكون ) ولكن رغم هذا الاعتراف فانه ينتقي بدافع من الغيرة والتي تحولت إلى شيء كثير من الحقد  ولأقل للتهرب من صدى الأسلم (سليم ) في هواء تنفسه ليختار من ثلاث روايات مشاهد جنسية بحرفية كتابة سليم بركات متناسيا أن سليم يصور في الثلاثية ، الكردي في بحثه عن ذاته أو إثباتها في بيئة فرضت عليه اللجوء إليها غريبا ويصور ثلاث شخصيات تتباين في الثلاثة أجزاء  كطريقة حياة ، وانتقاء غاية ، أو حتى اختيار العلاقة التي يجب إن تكون .
في تعرجه على أنقاض الأزل الثاني يختار إبراهيم محمود مواصفات البغال في العقم وفي الهروب والترحال وعدم المواجهة وكل ما هو سلبي عن هذه الكائنات و التي هي بعكس الأحصنة و الأفراس والتي تختص بالوغى و المجابهة والعراك بفرسان تليق بها أن تركبها ، مسقطا مواصفات البغال على مقصد سليم بركات من وجهة نظر الأستاذ إبراهيم على أن جمهورية مهاباد قد سقطت ومن نجوا إنما هم تائهون لن يجدوا أنفسهم أبدًا أو أنهم وانطلاقا من اختيارهم للبغال في الهرب قد انقرضوا ، وباعتقادي هذا إجحاف كبير يمس شخص سليم أولا ومن ثم بحق كتابته التي  في أكثر مضامينها يكون الكردي محورًا يُعرف به للعالم وبمواصفات موضوعية بعيدا عن الأسطورة ، ويتغافل إبراهيم محمود على أن الرواية كتبت بعد العام (1991) والتي يتمتع فيه الأكراد الباقون من مهاباد بامتيازات الحياة كلها .
من هذا العنوان الفرويدي ينطلق إبراهيم في دعوة شنعاء على سليم بأن يجرده أو أنه على لسانه يجرد ذاته من الانتماء إلى الأكراد وذلك لأنه يتقن لغة غير لغته ويعرف بهم ، رغم جل كتابات إبراهيم محمود هي بالعربية والتي تمس الأكراد أيضا ككتابه الكرد في مهب التاريخ. ويجعله بوابته في شبقية سليم الجنسي من خلال النصوص المنتقاة ويجعل من نفسه المحلل النفسي لشخص سليم وليس لكتاباته .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 2.8
تصويتات: 10


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات