القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قراءة في كتاب: مع جنكيز تشاندار في قطاره الرافديني السريع (المحطة الثالثة)

 
الجمعة 30 ايلول 2016


علي شمدين

بتصفية الرئيس التركي تورغوت اوزال في (17نيسان1993)، فقد جنكيز جاندار أهم مناصري القضية الكردية في مركز القرار التركي، وسدت أمامه إمكانية أن يلعب دوره اللازم من أجل حل القضية الكردية ودفعها نحو دائرة الضوء من جديد، ، فهو يقول: (كنت أعرف أن موت تورغوت اوزال سيبعدني تماماً عن أيّ دور بدأت بلعبه في القضية الكردية../ ص485)، لا بل أصبح جاندار هو الآخر هدفاً لملاحقة هيئة الأركان العامة التي نظمت بحقه محاولة إغتيال معنوية بسبب دفاعه عن القضية الكردية ومساهمته في إيجاد حل عادل لها، وأثارت حوله الإشاعات والتهم الباطلة بهدف تصفيته سياسياً بعد أن كان محمياً من رأس الهرم الحكومي، فيقول: ( أريد لي أن أدفع ثمن موقفي من القضية الكردية، والأهم من هذا ثمن دوري بالتقارب بين تورغوت أوزال وجلال طالباني، فافتُرِيَ على أنني قبضت من حزب العمال الكردستاني في مرحلة تدخل 28 شباط العسكري، وظهر في مطلع الألفية الثالثة أن ذلك الافتراء عملية نفسية أعدتها هيئة الأركان العامة باسم تشويه السمعة../ ص494).


وكما كان متوقعاً فأن الآمال الكبرى التي زرعها أوزال في محاولته حل القضية الكردية في تركيا، خلفت بفشلها خيبة كبيرة أدخلت البلاد في دوامة عميقة من الصراع حتى اللحظة، وبالفعل فقد سارعت تانسو شيلر فيما بعد إلى تسليم الملف الكردي بشكل كامل للعسكر الذي أدخل البلاد في دوامة مضاعفة من العنف وسفك المزيد من الدماء كما تنبأ به أوزال نفسه، وبدأت الأوضاع تزداد سوءاً بعد وفاته، وعاد العنف مضاعفاً بالفعل بعد تسلم الجيش ميدانياً إدارة الصراع مع حزب العمال الكردستاني، بحسبما يؤكده جاندار: (فقد كانت مرحلة سيئة تركت تانسو شيلر رئيسة الحكومة حينئذ حل القضية الكردية للعسكر تماماً، وتفاقم الصراع مع حزب العمال الكردستاني إلى أن بلغ مرحلة عنف شديد الدموية، وتصاعدت وتيرة الجرائم مجهولة الفاعلين بانفلات شديد../ ص500).
 بالرغم من ملاحقة أجهزة الدولة الأمنية لجنكيز جاندار ونجاحها في تضييق الخناق عليه، إلاّ أنه لم ييأس وإنما حاول العودة إلى الساحة السياسية لينضم إلى مناصري الحل السياسي للقضية الكردية الذين انتظموا معاً في حركة سياسية جديدة، فيقول: (لقد انضممت في أواخر عام 1993 إلى مجموعة من رجال الأعمال والمثقفين الذين شكلوا في استنبول بذرة الحركة السياسية التي ستحمل في ما بعد اسم حركة الديمقراطية الجديدة.. والتي تحولت إلى حزب في تاريخ 21/12/1994.. وقد جمعت هذه الحركة أنصار الحل السياسي للقضية الكردية التي كانت تمر في مرحلة دموية/ ص490).
يشخص جنكيز جاندار جذور القضية الكردية بوضوح ويرجعها إلى سياسة النفي والإنكار المتبعة حيالها من قبل الحكومات المتعاقبة، ويؤكد بأن عدم حلها لا يلغيها قط وإنما يفاقمها أكثر، فيقول بأن :(جذر القضية الكردية هو إنكار الهوية../ ص29)، ومما زاد من هذه القناعة لديه وضاعفها أكثر هو تمتع إقليم كردستان العراق بالفيدرالية إثر التطورات الجذرية التي حصلت في الساحة العراقية، الأمر الذي زاد من ثقل هذه القضية وفاقمها أكثر، فيقول: (الأهم من هذا أن ظاهرة جديدة جداً نتجت عن حرب العراق عام 2003، بحصول هذا البلد على بنية فيدرالية، مما أضاف عنصراً جديداً زاد من ثقل المشكلة الكردية في تركيا في الوقت الذي لم تستطع فيه حل قضيتها../ ص514).
هكذا ظل جاندار يقاوم اليأس بعناد وتصميم من أجل إيجاد حل سلمي للقضية الكردية،  حتى انبعثت آماله من جديد مع سطوع نجم طيب رجب أردوغان الذي ألقى عام (2005) خطاباً نوعياً هاماً في دياربكر سمى فيه القضية الكردية بإسمها الصريح، وقدم علنا إعتذار الحكومة التركية للشعب الكردي على الظلم الذي لحق به في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الدولة التركية، فيقول الكاتب: (لم يكن أردوغان أول مسؤول في الدولة يتناول القضية الكردية، ولكن لا أحد غيره شعر بضرورة تقديم نقد ذاتي بإسم الدولة، وتعريفها بأنها قضية../ ص17).
 وهكذا بدأت الآمال تنتعش من جديد بعد الخطاب الذي ألقاه أردوغان، وعادت القضية الكردية إلى الأضواء، وبدأ التفاؤل يغمر مناصريها، وفي مقدمتهم جنكيز جاندار الذي يقول: (مع أردوغان بعث أمل حل القضية الكردية بعد ضياع عشر سنوات إثر وفاة تورغوت أوزال، تناول أردوغان للموضوع في آب عام 2005 وخطابه في ديار بكر أججا توقعات حل القضية على يده../ ص26).
ولكن جاندار يعود ليقول بأن عدم مبادرة أردوغان إلى ترجمة وعده إلى عمل، لابل شعوره بالندم على ماقاله في خطابه حول القضية الكردية وتراجعه عنه أثار لديه القلق من جديد، فيقول: (قلقت من شعور رئيس الحكومة بالندم من استخدامه عبارة -القضية الكردية- وقلقت من أننا سنعود إلى المربع الأول../ ص28)، وبالفعل تم هدر سنوات أخرى حتى عاد أردوغان من جديد إلى طرح تعبير (الانفتاح الكردي)، بعد ان تراجع عن تعبير (القضية الكردية)، فيقول جاندار: (كان يجب أن ننتظر أربع سنوات أخرى لكي تُبعث آمالنا وتتأجج من جديد، ففي نهاية تموز وبداية آب عام 2009 بدأ الإنفتاح الكردي../ ص28).
هكذا بدأ أردوغان بطرح آمال كبيرة ليتراجع عنها فيما بعد وعلى دفعات تحت ضغط المعارضة التي هددته بالخيانة وتقسيم البلاد، فسارع إلى التراجع عن تعبير (الانفتاح الكردي) أيضاً وتبديله بـ(الانفتاح الديمقراطي)، يقول الكاتب: (لقد بدأ طيب أردوغان بالتراجع عندما قام منذ البداية بتغيير المصطلح واستخدام -الانفتاح الديمقراطي - بدلاً عنه.. وكان السبب الرئيس لهذا التراجع هو الموقف المتشدد الذي اتخذه حزبا المعارضة الأساسيان، وهما حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، والسخط العارم الذي قابلا به هذه المبادرة، وقد واجه أردوغان التهم ذاتها التي واجهها من قبله تورغوت أوزال، كخيانة الوطن وتقسيم البلاد، كما تم تهديده والتلويح بمثوله أمام المحكمة العليا../ ص28).
وبعكس تورغوت أوزال الذي دفع حياته ثمناً لمشروعه، فقد استمر أردوغان في تراجعه عن مبادرته لحل القضية الكردية التي أطلقها في دياربكر في آب عام 2005، وقام بتفريغها من جوهرها، وبالتالي تقزيمها أخيراً في تعبير خاوي من أيّ مضمون كردي سماه بمشروع (الأخوة والتضامن والتعاضد القومي)، في محاولة منه الإلتفاف على معارضيه والتراجع تحت ضغطهم حتى من تعبير (الإنفتاح الديمقراطي)، يقول جاندار: (لم يعيش طويلاً تعبير طيب أردوغان -الانفتاح الديمقراطي- بعد أن نُسي -الانفتاح الكردي- تماماً، وحل محله تعبير- مشروع الأخوة والتضامن والتعاضد القومي- من يستطيع الاعتراض على -الأخوة- وعلى - التضامن والتعاضد القومي- وتحت أيّ ذريعة؟../ص29). 
وعلى ضوء هذه التراجعات المتلاحقة في موقف طيب أردوغان تجاه القضية الكردية، الذي كان قد بدأ بالوعد بحلها وتسميتها بإسمها الصريح وإعتذاره المباشر للشعب الكردي بإسم الدولة التركية، إلى أن وصل في تراجعه إلى تعبير فضفاض غير ذي معنى (مشروع الأخوة والتضامن والتعاضد القومي)، حيث يؤكد جاندار بإن خطواته لحل القضية الكردية لم تكن إستراتيجية وإنما كانت مجرد محاولات تكتيكية لكسب الرأي العام الكردي من جهة ومن دون أن يخسر الرأي العام التركي من جهة اخرى، الأمر الذي أدخله في تناقض كبير مع الواقع الذي لم يؤدي إلى حل القضية الكردية وإنما إلى تفاقمها أكثر، يقول الكاتب:(على الرغم من خطو تركيا برئاسة طيب أردوغان للحكومة وحزب العدالة والتنمية، خطوات مهمة على طريق حل القضية الكردية في العقد الأول من الألفينيات، إلاّ أنها لم تدخل إلى جوهر القضية، ويبدو أنها غير جاهزة للدخول بعد../ ص512).
يقف جاندار بدقة على الحالة النفسية التي يشكلها حزب العمال الكردستاني بالنسبة الشعب الكردي، ويقول بأن تلك الحالة هي الدافع الأساس في تحريك الجماهير نحو التمرد، فيقول: (أيّ شخص يحاول معرفة الشعب الكردي في تركيا عن قرب، ويحب هذا الشعب يعرف أن حزب العمال الكردستاني -حالة نفسية- للكرد أكثر من كونه منظمة، وتلك -الحالة النفسية- هي التي تشكل القوة الدافعة للتمرد الكردي../ ص507).
ومن هنا ظل جاندار يدعو الحكومات التركية بإلحاح إلى العمل من أجل تغيير الحالة النفسية لدى الشعب الكردي وذلك بحل قضيته القومية وتحسين أوضاعه المعاشية، بدلاً من الإستمرار في البحث عن حل لقضيته من خلال استخدام القوة التي أثبتت تجربة السنوات الماضية فشلها، ويرى بأن الانتصار على هذا التنظيم يكمن في تجريده من حاضنته الجماهيرية والبحث في عوامل التأثير على حالتها النفسية ليس إلاّ، فيقول: (وهذه الخصوصية -الحالة النفسية- أهم من حزب العمال الكردستاني كتنظيم، توصلت إلى هذا الإدراك في زمن مبكر جداً.. يجب تغيير حالة الشعب النفسية.. إذا تخلص الكرد من هذه الحالة النفسية، وبقي حزب العمال الكردستاني تنظيماً فقط، فمن الممكن التغلب عليه ../ ص511).
يعزز جنكيز جاندار رؤيته هذه ويدعمها بما سمعه من مراد قره يالان، الذي التقاه شخصياً في جبال قنديل (خريف 2010)، فيقول جاندار: (قلت لقره يالان إن النضال المسلح لم يعد له معنى في النقطة التي وصل إليها حزب العمال الكردستاني../ ص467)، بعد أن يتوقف قره يالان لحظة، يجيبه باسماً: (نحن قوة قادمة من حركة مسلحة، ونحافظ عليها باعتبارها قوة دفاع، نحن في الشرق الأوسط لايمكننا ترك السلاح خارج المعادلة../ ص467)، ولكن قره يالان يعود إلى جوهر الجواب الذي كان ينتظره منه جنكيز جاندار، فيقول: (إذا فتحت الدولة التركية المجال أمام نضال الشعب الكردي الديمقراطي والسياسي تماماً، ولم تستمر بسياسة الإنكار فسيفقد السلاح معناه../ ص467). 
السليمانية 31/7/2016
------------------
ملاحظة: المقال منشور في جريدة الديمقراطي العدد (369)/ أوائل تشرين الأول 2016

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات