القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: هكذا أكتب قصيدتي .. الشعر والشاعر في مهب النظرية

 
الثلاثاء 21 اذار 2017


إبراهيم اليوسف

ليس لي- وأنافي حضرة الشعر- إلا أن أروي ذكرياتي معه، أنى خذلني التنظير، أو أنى خذلته في الحقيقة. لأن الأصل الشعر والنظرية مجرد هامش آيل للقبول أو الرفض أو التطور. وحين أفعل ذلك، فإنني أبدو في هيئة من يكتب عن حبيبة ولا مناص لرسم صورتها، بل صورة ذلك التواشج بيننا إلا عبر الشعر ذاته، وإن كنت سأتوسل السرد هنا، في مهمة الصوفي الذي يتردد ما بين خياري التيمم الاضطراري بالتراب أنى صفد قرب مجرى نهرعظيم..!.


أجل. من حق الشعر أن يتخذ هو الآخر موقفه مني، شأن تلك الأنثى التي تجد نفسها مهمشة في منزل عاشق محب انصرف عنها إلى قضايا يراها مهمة، من قبيل الذود عنها إلى درجة النسيان. هكذا، أصفني الآن، وأنا أستعرض ما يقارب عقداً ونيفاً من وضع خمائره في ثلاجة الوقت، لائذاً بالسرد، بالكلمة الشفاهية، بقبضة اليد أثناء مرابضتي-كما أزعم- وأنا أذود عن قضية طالما وجدتها جد سامية، ألا وهي المرافعة عن الناس، عبر تلك الأداة الأكثر احتداماً، وصدامية، ومواجهة، حتى يطلع عليها: الظالم والمظلوم. أولهما كي يعلم أن هناك من يقول له: لا. وثانيهما كي يدرك أنه لايزال هناك من لا ينسونه، وأفتخر أني أحد هؤلاء، بلا ريب، بكل ما أمكن.
 
قصيدة على الرَّف
 
ثمة مغامرة كبرى، غدوت أمامها وجهاً لوجه، وهي أن أؤجل القصيدة، أركنها، أتركها على أرفف الوقت، عسى أن أعود إليها وأنا مدفوع بيقين عارم: إنها لمرحلة مؤقتة، ولابد لظامىء الحرية أن يصل إلى نهره العظيم، ينهل منه، بعد أن يغدو متاحاً للآخرين وله على حد سواء. غير أن رأرأة ما بدت بعض الوقت، أو سراباً ما بدا حيناً آخر قبل أكمة المسافات، ما جعل الطريق طويلاً..!
-كيف لا وما هذا الزمن الميت، وهو يفيض عن العقد سنتين، أو أربعة إلا امتحان عسير، أمام القصيدة التي لم أنقطع عنها، وكانت تكتب في ما قبل. غير إنها ظلت أسيرة الأرفف، كما قلتها في أول قصيدة- تفعيلية- نشرتها في الثقافة الأسبوعية الدمشقية، أواخر السبعينيات من القرن الماضي-على لسان طبيبة- مأخوذاً بالفكر الإنساني الذي تشربت به، ولما أزل أجده أحد أهم العلامات في تجربتي الحياتية؟.
خسارات باهظة
لقد كان من حق القصيدة أن تتخذ موقفها الصارم مني، وأنا أتركها أسيرة الحبر والورق والغبار بل وفي غياهب الإلكترون يستهدفها قراصنة الأنترنت، من دون أن أفكر بأن أهيء لها أسباب الحياة مع متلقيها. ليس لأن القصيدة دون مستوى أداء المهمة، بل لأن ثمة أداة أمضى في هذه المواجهة، وهي: المقال..!.
صديقات، وأصدقاء كثيرون: نقاد، شعراء، كتاب، طالما سألوني:
متى ستعود إلى قصيدتك؟.
بالرغم من أنني كنت أعرف أن هؤلاء جميعاً غيارى علي، على مشروعي، إلا أنني كنت أحس أنهم ليسوا إلا متواطئين ضد مشروع أكثر أهمية. لن أطلق هنا الحكم التقويمي علي، وذلك لأنني راض عما قمت به، وإن كنت أعرف أن كل هاتيك المرافعات لن تكون لها أية قيمة جمالية، فنية، إبداعية، بعيد أول تحول جار. إنها النبوءة التي تحققت فعلاً، فها الكثيرون باتوا ينسون كل ذلك، بعد أن تم استنساخ السابق باللاحق، ضمن سنة دورة الزمن.
أدرك، أنني خسرت كثيراً، وليس أدل على ذلك من أن بضع مجموعات شعرية لي، افتقدت أكثرها، فمنها ما ضاع وسط ألهبة الحرب الألكترونية، من دون أية نعوات. ومنها ما بقي أسير الورق في هذه المحطة أو تلك، بعد أن أتلفت، أو ضيعت، كي تظل بين يدي حوالي ثلاثة مجموعات منها، من بينها إحداها التي كتبت نصوصها في العام 2000...!.، وظلت تنتظر الطباعة، ولم تظهر إلا في العام 2016..!
لا ضير، مادامت المصالحة بيني وأنثى الشعر قد تمت على أكمل وجه، كما يخيل إلي. فها أنا أستأنف الاكتواء في محرابها. أواصل كتابتها، أو تواصلني-هي الأخرى- وكأننا عاشقان أسطوريان، لم  ينأ أحدنا عن الآخر. هكذا هو الشعر العصي، المتمرد، الرقيق، الحرون الذي يسلس بين يدي الهائم به، مادام أنه قد قدم أوراقه الرسمية للظفر به، عبر مهر غال، ثمة الكثير من المتاعب والآلام وحرائق الروح..!؟.
 
 
استراتيجيا الجمال
 
ما زلت أراني-هنا- تحت قوس محكمة الشعر. أقدم سلسلة اعترافاتي، من دون أن أحتاج إلى شهود ما، مادام أنه من حق متابع تجربتي الشعرية معرفة المحطات التي مرت بها قصيدتي، منذ أن عرفت الشعر، وهمت به، كصاحب تجربة شخصية، متواضعة، في هذا المضمار، وإلى لحظة السرد هذه، وأنا أحاول رسم بعض عوالمي، عسى أن أقدم صورة تقريبية عن صورة الشعر، ليس ضمن فضاء النص وحده، وإنما في فضاءات روح الناص الذي أتلبسه..!.
  لقد كان الشعر-لدي- هو الهاجس الحياتي الأول؛ كي تليه تفاصيل شرف محاولات التعرف عليه، شأني في ذلك شأن من يتنفس، أولاً. ثم يبدأ بعد لحظة الوعي بذاته ومحيطه، ساعياً لمعرفة  كنه مكونات الهواء، ومساراته، في الخيشوم، والرئة، والدم، والروح. وهو نفسه ينطبق على الطفل الذي يجد نفسه في حاجة إلى الماء، يكبر على احتسائه، بل يشكل الماء جزءاً من عالمه الحياتي، كما الهواء، غير إنه لن يكتشف مكونات هذا العنصر الطبيعي، وتفاعلاته في ذاته إلى أن يصل لحظة  الوعي تلك.
طبيعي، أن من ينشأ مثلي في بيئة دينية، يسمع القصيدة الأولى من أبيه، بلغته الأم الكردية، وإن كانت هذه اللغة ستنفتح على لغات أخرى: العربية- الفارسية- التركية". هذه اللغات التي سيكتشف أنها طالما سعت لابتلاع لغته هاتيك، تبعاً، لتدرجات لحظة الوعي المشار إليه، وإن كان الوعي، الحكيم، سينقض على بعض جماليات اللحظة الإبداعية، عندما يكون النص الإبداعي أكثر استسلاماً أمام سلطة المنطق والعقل.
من هنا، فإنني أجدها حالة جد طبيعية أن أجد في الشعر وسيلة لمواجهة رداء الواقع. أن أثقل أعباءه بحمولات، أرافع عنها- طويلاً- لأراها حالة صحية، وأنا أنظر لوظيفية الأدب والفن عموماً، قبل أن أكتشف أشياء كثيرة، أولها أن روح الجمال قادرة على مواجهة القبح، أنى اشتغل الشاعر المجيد على مفرداته، بروح شاعرة، من دون أن يساوم على جمالياتها، وتقنياتها التي تتبدد، وهي تلبس اللباس الميداني: الخوذة- البذلة- البوط، ذاهبة إلى الخندق، بعد أن فخخت صورها بما أمكن من" تي إن تي"، ولو افتراضي. صحيح أنني لم أكن أعكس مثل هذه الحالة بحرفيتها- تماماً- في نصي الشعري، إلا أني ظللت أرافع عن وظيفية الفن إلى حد المغامرة ببعض تقنيات النص، نتيجة حرصي الذي لما أزل أحافظ عليه في الدفاع عن الظلم في وجه الظالم، والوقوف في وجه أية سلطة شمولية كانت، متذمراً منها، ما أمكن، كي يكون ذلك أحد أبرز ملامح رؤاي الحياتية والفنية.
كل فن، هو في حقيقته نتاج موقف حياتي، غير إن اشتغال الشاعر على هذه المعادلة يجب أن يكون أشبه باشتغال الكيميائي في مختبره على الإكسير، من دون أن يخل بالنسب المستخدمة، لئلا يحول نصه إلى فضاء آخر، خارج فضاء السمو الجمالي.
لقد ساورت نصي الشعري مفردات أيديولوجية-لن أتنكر لها الآن- كما لن أدينها، أو أرافع عنها، في آن واحد. فقد كانت نتاج فهمي  البرهي للعالم، وقد كان متقدماً، غير أني أحببت لو ارتفعت لحظتي الشعرية- باستمرار- إلى ذلك المستوى، عبر أدواتها الخاصة، من دون أن تستعين بأدوات ميدان آخر، وهنا مكمن الخطأ الذي سهوت عنه.
 
ولئلا أظلم نصي، فإنه قد كان ينوس بين لحظتين: المباشرة والغموض. إذ أن حضور المعنى كان يذهب به خارج ميدانه-غالباً- غير أن ما كان يحقق التوازن لتجربتي الغارقة في تجريبيتها أني كنت ألوذ بفهمي الجمالي، ولا أستسلم أمام غواية نيل رضى الجمهور المنبري. وقد حدث أن استبعدت عشرات النصوص التي كتبتها-ومنها ما هو عمودي أو تفعيلي- التي حظيت باهتمام دائرة متلقيها، ما دمت غير مقتنع بها من الناحية الجمالية. كما إنني تشبثت بالكثير من النصوص التي لم تلق مثل ذلك الاهتمام المنبري، انطلاقاً من اقتناعي الداخلي بها.
ثمة معادلات جمالية-إذاً- لابد من أن تراعى في النص الإبداعي، إذ ينبغي ألا يستخدم أي عنصر في اللعبة الفنية، إلا ضمن حدوده، بما يعزز سلطة السمو الجمالي، الذي يميز الإبداع عن سواه. وقد تبدو الرؤية في هذا المقام أوضح، عندما ندرك أن الجمال يؤسس لما هو جمالي، وهو في جوهره حصيلة موقف استذاقي، تفاعلي، مع الحياة، وقيمها السامية، بعيداً أن أية حظيرة ضيقة.
 
*فصل من كتاب يصدرعن دارأوراق -القاهرة بالعنوان نفسه

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.78
تصويتات: 19


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات