الارض الجريحة.. الحلقة الحادية عشر
التاريخ: الأحد 13 اب 2023
الموضوع: القسم الثقافي



زاكروس عثمان 

صبية كانوا يُخرِجونَ بخرافهم من القرية إلى البرية يلهون بين الحقول، كبروا قليلا اخذت شهرزاد تقود سپاسکو إلى الوادي وتعتزل الصحبة، مراهقان يجهلان رومانسيات العشاق كلاهما يريدان أن يقول شيء للآخر ولكن ضاع منهما الكلام، استعانوا بالضحك ليعبروا عن ما عجز عنه اللسان، أطلقوا خرافهم في الزرع المحرم، صبية التقوا في المراعي وفي جعبتهم رغيف خبز وحبات تمر وجرعة نوازع، وحكايا الذئاب وسكنة النهر والشيخ الأخرس الذي يطير في البراري، رعاة يمضون الوقت بحشائش الكلام والحديث عن المواليد الجديدة بين النعاج، الآن باتوا يحتاجون كلام جديد ولا يجدونه، سألته شهرزاد: كيف تحبل النعاج، احمر الجواب في وجنتيه وجال ببصره وأشار الى كبش يرتقي انثاه وقال لها: هكذا تحبل النعاج، سألته لماذا يفعل الكبش ذلك، قال اذهبي اسأليه، نهضت راكضة الى الكبش امسكت بقرنيه وهمست في اذنه رجعت تقول لسپاسکو: أخبرني الكبش انه يرعى لذة جارفة حين يجامع انثاه، طلبت منه ان يسأل النعجة إن كانت هي ايضا تتلذذ،


 نهض إلى النعجة وعاد يقول لشهرزاد أن النعجة تتلذذ أيضا، سكتا برهة ليتركا النوايا تحادث بعضها، سألته لما انت صامت، قال: تمنيت لو اكون كبشا وتكوني انثاي لنحصد لذة الجماع، قالت له: لنجرب، تجاوز الصَبيان خطوط الخجل، واسكتا عصافير الحذر، ولم يكلفا نفسيهما عناء مناورة طويلة حتى يفصح أحدهما للأخر عن رغباته، قرويين خبيثين اختلقا حكاية الكبش والنعجة لنيل مرادهما دون مقدمات، لذة الأشياء أن تأتي بلا مقدمات، تركا جسديهما يتعاركان على العشب، يثرثران لبعضهما قبلات فجة، انتهى العراك برعشة مجهولة خدرت انفاسهم وذهبا في نوم عميق، وحين نهضا بدأ العراك من جديد، وفيما العوسج يتبل مشوار مراهق داهمهم الرحيل، وما كادا يقطفان لذة موسم واحد حتى جاء القحط وخطف شهرزاد زوجة لابن عمها، نعم هذا حال أبناء الجن لا يتحمل احدهم أن يجد اخاه سعيدا.
حل القحط اصيب العاشقان الصغيران بشيخوخة مبكرة، لم يكن عراكهما الشهي بين الحقول نزوة مراهق انما تلاقح أرواح، كتبت شهرزاد رسالة إليه تقول: مشتاقة إليك، زوجي الخنزير كان يعلم بقصتنا، طلبت منه الطلاق قال لن أفعل كي اُعَذبكِ انتِ وعشيقك، حين يضاجعني اتعذب بالفعل لا أحس بأية لذة إلا إذا أغمضت عيني وتخيلت أنك انت في فراشي وليس هو، ماذا اقول كنت زهرة يافعة ولكنه قصف قامتي، لن أنساك، كل يوم أتمنى أن يموت ابن عمي كي اعود اليك ونلعب في الوادي من جديد لعبة العروس والعريس، حلمي أن التقي بك مرة واحدة اهبك فيها روحي وجسدي، أريدك أن تترك علامة قبلة على عنقي كي اكشفها للخنزير زوجي عله يفطس غيظا أو يقتلني، ليس لي منه خلاص سوى موته أو موتي، لا تظن أنني مجنونة ولكن ارغب ان تزرع طفل من صلبك في احشائي.
مضت سنين ولم يتحقق مراد شهرزاد إذ بقيت اسيرة زوجها الذي خَلفت منه جيش من الأولاد حتى نال منها الكمد وأصابها مرض لا شفاء منه، اضمحلت جذور الرغبة في تقوى الحسرات، حين انتزعها الفراق من بين شفتي سپاسکو ومضى يجري يزيد المسافة بينهما، حتى استكانت نضارة الحلم لفتاوى البعاد، وتوارى الأمل عن الاخضرار، وما عاد لها سوى ندى ذكريات ترطب تربة الخاطر كلما استبد به التجفاف، ظل البعد يجري حتى اعتراه المشيب سقط وتجمد في خدي شهرزاد التي بدلت مصير سپاسکو الذي هرب إلى الجامعة ولاذ بالكتب إلى ان عاد إلى القرية، إن هي غمضة سنين حتى تعلم الشعر من مجالسة نبتة الگاردي ومن الإصغاء إلى أغاني الحلابات في المراعي، تناهى إلى سمع شهرزاد أن سپاسکو رجع إلى القرية شاعرا، استفاق الدفء في خريف جسدها، اعتلت صدى صرخة لازمتها طوال النفي، وعادت تطلب مُراهَقَتها المفقودة، دقت باب الانتظار تمرد الجرس المنسي على الصدأ، تقافزت احلام سپاسکو تنهض من سبات عميق للترحيب بالضيف، الباب مغمى عليه الجدران مذهولة، انها هي من غيرها يسحر الجماد، سال: هذه انتِ، اجابت: وهل تنتظر غيري هيا افتح، فتح صرة العوسج، وجدها امامه انها هي رفيقة مراهقته عادت اليه، قبل التحية سألته: هل ما زال قلبك في محله، قال: لست أدري تركته هناك مذ غادرتي انتِ، قالت: هيا بنا نعزف طريقا نثرنا عليه إعمار هجرناها قبل أن يحين موعد القطاف، سارا على نفس الطريق والرغبة تسبقهما، وطائر زلورة وان شحبت ملامحه وخارت جناحاه ما زال يرفرف في همساتها، الأفق ما زال مستقرا في نظراتها رضيعا ابديا نائما على كتف المكان، والشمس كعادتها تميل ببصرها كلما تبادلا القبل، وخرير الجدول وان شابه بحة ما زال يسري في جوارحها، جلسا ابتسم التراب، وراحا يحصدان پیڤونگ الصمت من حقول المشاعر، أشعلت سيگارة وقالت: هربت من جليد المقدمات اتيت الى هنا لأصنع خاتمتي كما اشتهي أنا، تعال نجرب ثانية لذة النعجة والكبش، ابتسم سپاسکو: زجرته غاضبة: تظن أننا دخلنا خريف العمر ولم تعد اللعبة مناسبة لنا ولكن روحي ما زالت تطلبك بشدة، اجابها سپاسکو: وروحي طوع روحك انما ابتسمت لأننا في هذه الليلة لا نملك كباشا ولا نعاج ولا اعرف كيف نبدأ اللعبة، ارتمت في حضنه قائلة هذه نعجة وهذا كبش هيا إلى العراك، تعارك العاشقان بالشفاه حتى تورمت، هطلت شهرزاد على جسده رذاذ نرجس واجتاحت صدره بموج بنهديها، أطلق سپاسکو ونة ظلت محجوزة في كبده ثلاثين عام و راحت أصابعه تداعب خصلات شعرها البني، القت شهرزاد حسرات الماضي جانبا واطبقت بخاصرتها على خاصرته متقطعة الأنفاس تقول له: طال صيامي ولم يعد لي صبر على الانتظار حانت ساعة الإفطار، دست اصبعها في فمه ترطب حلق أمنية أنهكها العطش، تذوق سپاسکو نبض الماضي أراد أن يثمل بنبيذ الحاضر، اشتهى رشفة من شفتي شهرزاد ولكنها اسقته الكأس كله، ضمها إلى صدره وسقاها حزن معتق، ثمل الزمن واخذ شهرزاد وسپاسکو في رحلة إلى الماضي، ها هما في المراعي يعتزلان الصحبة ويهبطان الوادي ويفعلان ما يفعله الكبش والنعجة في موسم التلاقح قذف سپاسکو في رحم شهرزاد نطاف ثلاثين سنة من الضياع فكانت الرعشة قيامة، تورد وجهها بالرضا وغادر الشحوب همساتها قالت: انتظرتك لتفقدني عذريتي حتى جفت عروقي وأخيرا تحقق مرادي أنا في غاية السعادة، سألها: الم يفقدك زوجك عذريتك، اجابته: هو سلب مني غشاء بكارتي ولم ينل من عذرية روحي التي احتفظت بها لك وحدك، عانقها سپاسکو، طلبت منه العودة إلى القرية قبل أن يكشفهما أحد، في الطريق أخبرته أن الأطباء بينوا لها أن مرضها غير قابل للعلاج وانها تنتظر الموت وطالما هي حققت امنيتها ونامت معه نصف ليلة فلن تكون حزينة لموتها، أحس سپاسکو انه اصبح نعجة كل كباش الأرض ترتقيه سألها: أن تهرب معه إلى اية بقعة يتداوى أهلها بالحب، اخبرته: أن المرض نال منها ولن ينقذها الحب، تعانق العاشقان طويلا وقبل أن تودعه قالت ربما هذه المرة الأخيرة نلتقي فيها وفي المرة القادمة سوف تزور قبري تذكر لا تقرأ الفاتحة على روحي بل ازرع من حولي مزيدا من العندكو واكتب اناشيد زرادشت على تراب قبري، جثم سپاسکو على ركبتيه وطوق ساقيها بيديه وبكى بحرقة، جلس الحبيبان على الطريق ساهمين حتى بزوغ الفجر إلى ان طلبت منه الوداع.
لم تكد تمضي سنة حتى ماتت شهرزاد، لم يتسنى لسپاسکو تلبية رغباتها إلا بزيارة قبرها ليلا، حيث كان زوجها يحتج على زيارته لقبرها، في احدى الزيارات وضع رأسه على شاهدة قبرها وأخذ يناجيها: لماذا أبناء الجن يحقدون على بعضهم بكل هذه القسوة لماذا زوجها يمحي اناشيد زرادشت، ظهر له طيف جده طلب منه مغادرة المقبرة وقال له ليس عليه الخوف على الأموات بل عليه القلق على الأحياء الذين تنتظرهم أيام اسوأ من الموت. 
انتاب سپاسکو نفس الشعور الذي انتابه حين فقد أول قصة حب ترعرت في قلبه، هو يعلم أن أبناء الجن لا يشبعون من تعذيب بعضهم بعضا إلا إذا سقط ضحايا، حينها تبدأ مراسم جلد الذات ويدفع الندم بهم إلى القبور و الجنون والبعض الآخر يفرغ اوجاعه على الورق ويذرف الفائض منها لحنا على أوتار الطنبور.
جال سپاسکو بنظره في المكان متمنيا أن تقع عيناه على طيف يكسر هذا الخواء المقزز ولكن ما من أحد سواه وسوى بعض الكلاب الشاردة، قال في نفسه هذه المرة يبدو ان التعذيب سيكون حفل جماعي ها هو كل واحد منا يجلد ذاته بالرحيل وبعد الرحيل لن نجد فرصة للندم. 
انتقل خواء الضواحي إلى كيان سپاسکو فعاد إلى المدينة، وجد الشوارع ايضا خاوية، حاول أن يقرأ وجوه المارة راعه أن كل القصص تدور حول الكوابيس، الجدران متوجسة، هنا كتبوا عليها حرية وهناك كتبوا الدار برسم البيع، سمع سپاسکو من خلف نافذة أحد المنازل دردشة ساخنة بين نسوة إحداهن تسأل: ما هذه الحرية التي تلقي بأولادنا في السجون والحروب و ترمي بهم في عرض البحار، أعقبت أخرى: عشرة أيام ونحن بلا غاز ليت السم يوضَع في هذه الحرية، اعترضت ثالثة: الحرية يلزمها ثمن والتخلص من الدودة الخبيثة تكلف فقدان الأحبة والغاز، صرخت الاولى: هذه الحرية لا تلزمنا اريد ابني أن يعود إلي، أردفت الثانية: وأنا أريد عبوة غاز، صرخت الثالثة: انتن شبيحة تدافعن عن الدودة، ردت الآخرتين: سوف نضع رأس الدودة في كسك، وقع شجار بين النسوة وارتفع صراخهن، اقترب سپاسکو من النافذة وصاح: وصلت الكهرباء وصلت الكهرباء، تخلت النسوة عن العراك وسارعت كل منهن إلى بيتها لأداء أشغالهن التي تتطلب تشغيل الأجهزة الكهربائية، خطر في ذهن سپاسکو أن يكتب على الجدار، الكهرباء توحدنا وتمنى لو أن المتغطرسين والسماسرة يكونوا عمليين مثل هاتي النسوة اللواتي انهين الشجار لمصلحة مشتركة وهي عدم تفويت فرصة فوزهن بالكهرباء.
هربا من سؤال زوجة عمه، هام سپاسکو في البراري أيام عدة: وماذا عن متغطرسيك، وكان أحوج إلى الإجابة من العمة نفسها، ثم عاد إلى المدينة دخل حانة صديقه ابن جرجس واشترى زجاجتين من النبيذ ذهب إلى البيت، كالعادة نال من زوجته نصيبه من العتاب والشكوى والنق، فيما هو يمازحها ويتهمها بالتشبيح، أخبرها أنه جائع ضحكت الزوجة قائلة: لماذا الحرية لا تطعمك، ليس في البيت غاز ولا كاز ولا كهرباء، تعال اتبعني يا حظي، اتت بحزمة من عيدان القطن طلبت منه ايقادها لتطبخ له طعاما، جلس الزوجان قرب الموقد ساهمين فيما تتطاير شذرات الحطب وتنسكب في القدر حتى تَفَحَمَ لون الطبخة، أشفق الزوج على زوجته ناولها قبلة، قالت: قلبي لا يطاوعني أن تتناول طعاما نصف محتواه قش ورماد ولكن ماذا افعل هذا خيارك، قال: يا هبلة وهل أنا من فَجَرَ البركان حتى تحمليني مسؤولية انفلات الحمار، أجابت فَجرهُ ابنُ الشرموطة ولكن انت مسرور بالانفجار، قال: بل فَجرهُ ابنُ الدودة وانا مسرور لأن البركان قريبا سوف يلتهم الدود الذي نخر وجودنا عقود طويلة، الزوجة: بل سوف يلتهمنا نحن، الزوج: انت شبيحة جميلة ومزعجة هاتي بوسة اخرى واسكبي لنا ذاك الفحم لتناوله هل تشربين كأس نبيذ، الزوجة: لا لا لا أمي تقول أنه حرام حين تنتهي من شربه لا تنسى ان تطهر فمك بتربة حمراء، الزوج: تربة حمراء! حاضرررر، بعد الطعام نامت الزوجة وثمل الزوج وباتت لديه شجاعة ليفكر في المتغطرسين، أنه منزعج منهم غاية الإنزعاج ولكن عليه تخدير عواطفه كرمى للقطيع، الحق يقال أن المتغطرسون رغم مساوئهم الكثيرة هم الذين صدوا خنازير السلطان وهم من ازاح الدود عن تراب القرية التي تنشقت لأول مرة نسائم الحرية، رغم أنه ثمل بقي سپاسکو مترددا لا يستطيع الصفح عن المتغطرسين الذين ارادوا جعل عامودا مدينة معاقة، ولكن بدونهم سوف يصبح أبناء الجن قوم معاق، فالبديل خروف معاق يستجدي الذئب كي يرد له ضرع أمه، والارض لا يمسكها إلا من ثبت عليها و القطيع لا يذود عنه إلا راع لا يطيب له المقام إلا في المراعي، ما كادت الليلة تنجب عقارب حتى فر السماسرة، فهل يحمي الكرمة ناطور هارب، الذئاب تتكاثر والقرية مطوقة، وليس في الساحة غير المتغطرسين، أما أهل المجالس والكراسي والولائم الذين لم يفكروا يوما ان يحملوا عصا فلن يحملوا اليوم بندقية، وهل يتحمل قلب عجوز نبض التمرد، وهل تتسع نفس المتسول لذرة كرامة، ما كاد البركان يقتلع اوتاد السكينة حتى فروا بعيدا وبعضهم و صاروا من أجل راحتهم عينا للعناكب ودخلوا في خدمة السلطان. 
حقيقة تثقل كاهل سپاسکو وتكسر ظهر النوم في عينيه، ماذا عساه ان يفعل كي يطرد الأرق هل ينحاز إلى المتغطرسين رغم انه لا يطيق غلاظتهم، أم يصفق للسماسرة رغم اشمئزازه من بضاعتهم الفاسدة، ام ينضم إلى زوجته وينأى بنفسه، لكن النأي بالنفس وسط زوبعة لا نهاية لها غاية صعبة المنال، إن نجا المرء منها فلن ينجو من ضميره، اتى سپاسکو على آخر كأس من النبيذ، قرأ خبر عاجل يقول: ان المتغطرسين احبطوا هجوما للخنازير على الحسكة، وهذا ما جعله يقرر التعاطف معهم وتَحمل بشاعتهم ففي النهاية هم من يدافعون عن القرية، ومتى ما خمد البركان وقتها سوف يكون لكل حادث حديث، من يدري لعل قطرات الدم والعرق التي سالت من العندكو تُهَذب سلوك المتغطرسين، عض سپاسکو اصبعه وتوسل إلى عامودا ان تغطي جرحها، وقال وما زال في نفسه شك: لنرى إلى أين سوف يقودنا المتغطرسون. 
تعب النبيذ من الجريان في شرايين سپاسکو فاستقر صداعا في رأسه، ذهب مترنحا إلى زوجته ايقظها من نوم عميق: هيه انهضي سريعا ايقظي الأولاد واحملي معك شيء من الماء والنقود علينا المغادرة فورا.
الزوجة متثائبة: ماذا حدث.
سپاسکو: يأجوج ومأجوج.
الزوجة: هل قامت القيامة. 
سپاسکو: دخلوا المدينة.
قفزت الزوجة من فراشها مذعورة تسأله: إلى أين نهرب.
سپاسکو: إلى الفراش. 
الزوجة: أجل حتى يقطعوا رؤوسنا ونحن نيام.
سپاسکو: لن يقطعوا. 
الزوجة: لكنهم يقطعون الرؤوس.
سپاسکو: هيا عودي إلى النوم كنت امزح لقد كسرهم المتغطرسون.
عادت الزوجة إلى الفراش غاضبة وهي تقول: ابوس إيدك طلقني طلللقني.
سپاسکو: تعالي ننام وغدا اطلقك.
الزوجة : وعد. 
سپاسکو: وعد مع اني متأكد انك بعد ان تشبعي من النوم سوف تنسي الطلب هيا هاتي بوسة.
الزوجة: هل غسلت فمك بالتراب الأحمر.
سپاسکو: بالأحمر والأسود ايضا.
بقي الزوجان يمازحان بعضهما حتى غلبهما النعاس، حيث كان سپاسکو متأكدا أن الجن يحرسون بوابة المدينة. 
نهضت الزوجة في الصباح وهي مترددة هل توقظ اطفالها للذهاب إلى المدرسة، حيث لم تعد متأكدة أن كان ثمة فائدة في ذهاب التلاميذ إلى مدارس منزوعة الأبواب والنوافذ لا ماء فيها ولا كهرباء كأنها مهجورة، هجرها معلموها وتسرب منها تلاميذها، نظرت الزوجة إلى زوجها النائم نظرة عتاب كأنها تقول: انظر إلى الحرية التي ترقص لها كيف ابقت اطفالنا خارج مدارسهم، هل يستطيع الجاهل صنع الحرية، أم أن حريتكم جاءت تنشر الجهل، ارسلت الزوجة اطفالها إلى المدرسة ولم تنسى أن تنصحهم كيف يتصرفون إذا حصل إطلاق نار أو تفجير او وقع شجار بين إنصار المتغطرسين ومريدي السماسرة، وعادت إلى الفراش تفسد نوم زوجها: هيه انت يا حظي انهض انهض لك عندي خبر سار.
الزوج: (مغمض العينين) هل هرب أبن الدودة الخبيثة.
الزوجة: شيء اهم من ذلك.
الزوج: هل وصلت الكهرباء.
الزوجة: اهم اهم.
الزوج: دعيني اكمل نومي.
الزوجة: نيدالو إبن عمتك نجا من البحر ووصل سالما إلى اليونان.
نهض سپاسکو وطلب منها ان تشتري علبة سكاكر وتذهب إلى العمة لتقدم التهاني لها والدعاء لنيدالو ان يكمل مشواره إلى المانيا دون ان يبصم في هنغاريا.
الزوجة: لا تسخر سيأتي يوم تسلك فيه طريق نيدالو رغم انفك.
شعر سپاسکو بالضيق وطلب من زوجته ان تبدل الحديث، وجلس أمام اللاپتوپ يتصفح الأخبار لكنه لم يجد الخبر العاجل الذي ينتظره منذ أشهر، حيث راهن زوجته على أن الدودة سوف ترحل في غضون ثلاثة أشهر، ولكن مضت اربعة سنوات ولم تمضي الدودة بعد، والزوجة تطالبه بالرهان وهو يماطل، وكان الرهان أنه سوف ينأ بنفسه إن بقيت الدودة، وكان قطع وعدا على نفسه أنه سوف يمشي عاريا على الأقدام من عامودا إلى قامشلو إن هربت الدودة.
كان سپاسکو تنبأ ببركان لا يبقي ولا يذر ولم تكن تقديراته خاطئة، بل أنه منذ سنين حسب حساب الدودة جيدا، قرأ تاريخها وعايشها طويلا وعرف طبائعها وكيف أنها نخرت الشجرة من اسفلها إلى اعلاها، ولكن ما لم يعرفه هو أن الشجرة نفسها كانت مريضة قبل أن ينخرها الدود، وحين نطق الجدار عبارة هي عكس عبارة إلى الأبد رقص البركان وكان الزلزال أعمى، جاء لص وأمسك بيد البركان سرقه واخفاه في المسجد، حينها انقلب لونه إلى جحيم مشرع الأبواب, سؤال خبيث بدأ ينقر ذهن سپاسکو هل يكون العلاج في سحق الدودة أم قطع الشجرة، كثرت الديدان وأخذت تأكل بعضها بعضا و تفسد ثمارها وتنخر فيها، قال في نفسه: ديدان غريبة تتغذى على شجرة غريبة مزروعة بالإكراه في صدري تمص دمي، فليسقط الدود و لتسقط الشجرة، سيكون يوم سعدي حين تفني الوحوش بعضها بعضا ففي هلاكها نجاة قريتي، ردد بصوت مسموع: دعهم لينكحوا امهات بعضهم بعضا، سألته زوجته: من ينكح أم من.
سپاسکو: جيراننا الجاثمين على صدورنا أن نكحوا امهات بعضهم البعض سوف ننجوا.
الزوجة: هههههه كيف تنجو يا روح أمك هل نسيت أننا ايضا ننكح امهات بعضنا بعضا، هم دود الكثرة ونحن دود القلة، هم يعضون بعضهم بعضا، ونحن نمزق بعضنا بعضا. 
سپاسکو: دائما تغلقين الأبواب في وجهي.
الزوجة: بل افتح هذا القرع الخاوي فوق أكتافك لتخرج منه افكارك الطوباوية.
سپاسکو: إن بقيت تحبطينني هكذا سوف اتزوج امرأه اخرى مناصرة للحرية. 
الزوجة: هل نسيت أن المتغطرسين منعوا تعدد الزوجات، سوف اشكيك إلى مؤسسة بيت المرأة وهم يتكفلون بقطع قضيبك.
سپاسکو: قرار تقدمي ولكنه جاء في وقت غير مناسب.
الزوجة: كيف.
سپاسکو: المتغطرسون يحاربون جراد لا حصر له، الحرب أبدية، كل يوم هناك شهداء ومصابين، غدا سوف يحدث نقص في عدد المقاتلين، أن اغلقوا الخزان من إين يحصلون على أعداد جديدة.
الزوجة: اي خزان.
سپاسکو: الخزان البشري الذي ينتج الاطفال حتى يكبروا ويصبحوا مقاتلين.
الزوجة: انت تقصد ان تعدد الزوجات يكون مصدر للمقاتلين هذه مناورة ذكورية خبيثة وذريعة للسماح بتعدد الزوجات.
سپاسکو: لا لا... تلزمنا معامل لإنتاج المقاتلين، وعلينا زيادة الانتاج بتعدد الزوجات، وإلا سوف ينقرض أبناء الجن بفعل الحروب والهجرة.
الزوجة: اقنعتني هيا ابحث عن امرأة اخطبها لك بشرط أن لا تكون أجمل مني.
سپاسکو: حتى اثبت لك حسن نواياي اعاهدك أني لن اتزوج غيرك ابدا.
فيما الزوجان بين الجد والمزاح يتناقران، حالهم مثل حال الازواج هذه الايام في كل إسرة بالمدينة يتشاجرون فيما بينهم، كان حفيد ارطغرل يسن دماغه، يعيد حساباته، حيث لم يعجبه بروز رهط من السباع بين ابناء الجن يجيدون اللعب بالنار، انتهز فرصة تعفن البركان، ليجذب مزيدا من الكلاب للتمرغ في وحول دولة الذئاب، أطلق السلطان عواءا: سباع تبني دولة هذا لن يحدث ابدا، هذه خرائط مقدسة لن أقبل المساس بها... الله أكبر، نبحت الكلاب خلفه الله أكبر، وقف حفيد ارطغرل قرب حدود القرية يبحث عن ثغرة ليدس عقارب حقده في عرين السباع، هاله وهج شنگال الموشح بالبياض، جبل للشمس على ذراه معنى أخر، وعلى السفوح نسيم يهب حبا وسلام، حوريات حمر الجدائل خضر العيون من سلالة ميثرا تَردنَ لالش نبع الضياء، وفتية يقطفون حكمة تين مقدس.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=9558