بدايات الحزام وأهدافه

 

لمحة تاريخية للشعب الكردي في سوريا
يرجّح
المؤرخون إن تاريخ تواجد الكرد في سوريا مرتبط بعهود "إمبراطورية ميديا" والتي شملت الجزيرة، وقد يمتد هذا التواجد إلى ما قبل ذلك العهد. فهم بذلك يتمتعون بعلاقات تاريخية على هذه الأرض، ويتمتع هذا الشعب بكل سماته وخصائصه القومية ، ويسكن أرضه التاريخيـة ، وليس أرض الآخرين ، ويعيش في مناطق تواجدهم الحالية منذ العصور القديمة ، قبل وبعد الدولة الكردية الميتانية والتي كانت عاصمتها سريه كانيه ( رأس العين ) .
يقطن الأكراد بشكل رئيس في مدن محافظة الحسكة التي تقع في الشمال الشرقي من سوريا،على الحدود العراقيةـ السوريةـ التركية. إضافة إلى أنهم يقطنون في كل من : عفرين والقرى المحيطة بها، وكوباني- عين العرب، في محافظة الرقة، ولهم تواجد ملحوظ في المدن الرئيسة كـ: دمشق إذ يقدّر عددهم فيها حوالي 300 ألف كردي"، ماعدا من تم تعريبهم تماماً، موزعين على أحياء: وادي المشاريع، وركن الدين، والمزة جبل، إضافة إلى بعض الضواحي الأخرى،". وفي حلب"لهم تواجد كثيف في الشيخ مقصود، والأشرفية.
يبلغ تعداد الأكراد وحسب أكثر الدراسات الكردية 15% من تعداد السكان أي ما يقارب 3 مليون  وتعتبر القومية الثانية في البلاد.
وبعد اتفاقية سايكس ـ بيكو ودخول الفرنسيين إلى سوريا بقي أكـراد سوريا تحت الانتداب الفرنسي كجـزء من البــلاد السورية ، ومنذ ذلك الوقت ساهم الأكـراد في المقاومة ضد المستعمر إلى جانب الشعب العربي ،وشاركوا في الثورات الوطنيـة ، وتاريخ النضـال الوطنـي يشهد للوطنيين الكـرد بالتضحية والفداء ، ويزخر البلد بمفاخر أبطالهم ، أمثال إبراهيم هنانو ، وأحمد البارافي .
كما شارك الكرد في بناء دولة سورية الحديثة بعد الاستقلال وانخـرطوا فـي المؤسسـات الرسميـة والإدارات والجيـش والبرلمان والوزارة ، وكافة مناحي النضال الوطني الديمقراطي, وطيلـة ما يقـارب النصف قرن شهدت البلاد مـراحل المد والجزر وضعف الاستقـرار السياسي والاجتمـاعي .
وعلى الـرغم من التحولات الإيجابيـة والمكاسب التي حققها الكرد في بناء الفسيفساء السوري إلا أن الموقف الشوفيني تجاه الشعب الكردي بقي كما هو سائد ولم يتغـير إلى يومنا هذا ، رغم تعـاقب الحكومـات . ومن سمات الموقف السياسي العنصري تجاه الوضع الكردي الممارسات القمعية واضطهاد الشعب الكردي وملاحقة حركتـه الوطنية و زج قادتها ومناضليها في السجون .

اللغة والثقافة الكردية

يتكلم الكرد السوريون اللغة الكردية وتحديداً اللهجة الكرمانجية، ولا توجد موانع لغوية في تفاهمهم، إلا أن الأكراد المقيمين في دمشق منذ القديم وكذلك أكراد اللاذقية وحوران وحماه يتكلمون العربية ونسيت أجيالهم الجديدة اللغة الكردية، وبما أن الدولة تمنع تعلم اللغة الكردية وتمنع تعليمها رسمياً فإن تعلم الأكراد للغتهم الكردية يتم داخل أسرهم, ويرى الكرد السوريون الحروف اللاتينية اكثر ملاءمة للغة الكردية خلافا عن الأكراد في العراق وايران.
هناك تضييق على ممارسة الكرد للغتهم وثقافتهم ،حيث ما زال التداول باللغة الكردية محظوراً خاصة في مجال الكتابة والنشر وحتى التداول العادي ( الكلام ) في الدوائر الرسمية ، كما هناك تضييق على ممارسة الكرد لإحتفالاتهم العامة( عيد نوروز ) وحتى الخاصة أحياناً حيث يحتاجون لموافقة الأمن السياسي لإقامة الأفراح في الصالات ومجمعات الأفراح ، وكذلك التضييق على الفرق الفنية الفلكلورية الكردية ، ولا يسمح للأكراد بفتح المدارس لتعليم لغتهم الأم أسوة بباقي الأقليات التي تدرس لغاتها في هذه المدارس ( الأرمن – السريان ) .

التمييز في شغل الوظائف والإدارة العامة

هناك بشكل عام حصر في شغل المناصب الإدارية الهامة في البلاد على أساس الولاء السياسي وليس الكفاءة وهذه تمارس على نطاق واسع مع كل مكونات المجتمع السوري ولكن المسألة تبدو أكثر تفاقماً تجاه الأكراد، وهذا يظهر جلياً لدى مقارنة عدد الموظفين الأكراد في الدوائر الرسمية مع النسبة السكانية ونسبة المتعلمين منهم في مناطق تواجدهم ، وهناك بعض القطاعات التي تبدو وبدون قرار رسمي ممنوعة على الأكراد ومنها سلك القضاء – الشرطة – الجيش – الأمن ناهيك عن تولي المناصب الرفيعة في الدولة ( وزراء – محافظين ( كمواطنين سوريين.
بالإضافة إلى اتخاذ التدابير والإجراءات الشوفينية الأخرى ، كفصل الطــلاب الكـرد من الثانويات والمعاهد المتوسطة بين حين لآخــر بالتهمة الجاهزة ( خطر على أمن الدولة ) وكذلك فصل وطـرد العمال والموظفين الكرد بالذرائع والحجج الجاهزة دائماً .

الإحصاء الاستثنائي

قامت حكومة الانفصال إصدار المرسوم الجمهوري رقم 93 تاريخ 23/8/1962 والذي تقرر بموجبه إجراء احصاء استثنائي في منطقـة الجـزيرة (محافظة الحسكة) والذي جـرد بموجبه في حينه حوالي مائة وخمسون ألف مواطن كردي مــن الجنسية السورية ،وما يتـرتب على ذلك من مآسـي ومعـاناة وحرمان مـن الحقوق المدنية((وأوردت اسمائهم في عداد الأجانب أو مكتومين)).
الآثار السلبية للإحصاء الاستثنائي وأوجه معاناة المجردين من الجنسية ومكتومي القيد :
منعه من العمل والتوظيف في جميع دوائر الدولة بما فيهم ( الأطباء والمهندسون والصيادلة )
حرمانه من حق تملك الأراضي الزراعية بموجب قوانين الإصلاح الزراعي أسوة بغيره من الفلاحين
حرمانه من البطاقة التموينية بحيث يحصل على مواده التموينية من السوق السوداء وبأسعار عالية مع العلم أن غيره من المواطنين يحصل عليها بأسعار مخفضة
حرموا من أداء واجبهم في خدمة العلم والذود عن استقلال الوطن وحمايته
أخضعت عقود زواجهم لموافقة الأجهزة الأمنية في وقت يكون الزواج حتى خارج المحاكم الشرعية أمر واقعاً يتم تثبيته حتماً بقرار قضائي ولا بد من الالتزام به
أضر بسمعة البلاد ومكانتها بين أوساط الرأي العام العالمي والديمقراطي وأضعف الوحدة الوطنية للشعب السوري وفي تغذية النزعات الشوفينية والقومية الضيقة
لا يعطى للمكتوم وثيقة الشهادة الثانوية أو الإعدادية فيحرم عليه الدراسة الجامعية
يمنع عليه السفر خارج البلاد ويتعرض للمزيد من المشاكل والمتاعب أثناء المبيت في الفنادق والتنقل داخل البلاد
حرمان المجردين من الجنسية حتى من حقوق تملكهم لمنازلهم المشيدة قديماً والمسجلة على أسماءهم وقيدها كأملاك دولة


محمد طلب هلال ومقترحاته بشأن المعضل الكردي

كان محمد طلب هلال مسؤولا لجهاز الأمن السياسي في الحسكة برتبة ملازم, وضع عام 1962م. دراسة حول محافظة الجزيرة "النواحي السياسية والاجتماعية والقومية" يدعو "إلى ضرورة اجتثاث الخطر الكردي والإسراع في اقتلاعه من الجذور، مقترحاً خطة محكمة لتطويق ما يسميه بالخطر، قبل أن يتفاقم ويلتهب" وأضاف في مكان آخر من الدراسة دعا إلى "تشتيتهم وضرب بعضهم ببعض، وتجويعهم، وسد باب العمل والتوظيف أمامهم، وتجهيلهم وحرمان مناطقهم من الجامعات والمعاهد الحكومية، واعتبارها منطقة عسكرية، وتغيير ديموغرافيتها، وسحب الجنسية من سكانها الأكراد ونزع الأرض منهم وتحريض العرب ضدهم وإسكانهم بينهم، ومنع كل من لا يتكلم العربية من ممارسة حقه في الانتخاب والترشيح. تقلد مناصب هامة بعد هذا الكراس فأصبح محافظاً ثم وزيراً ثم نائباً لرئيس الوزراء ثم سفيراً لسوريا .

الحزام العربي ( العنصري )
إن محافظة الحسكة هي إحدى أهم المحافظات السورية وذلك لغناها بالثروات الباطنية وكونها المصدر الأول للقطن والقمح والشعير...في سوريا, وهي المحافظة الوحيدة التي تشغل بال القوميين العرب المتعصبين بسبب أغلبيتها الكردية وكذلك لامتدادها الطبيعي الديمغرافي لكردستان تركيا وكردستان العراق .فهي استثنائية ومشبوهة لذا يجري التعامل معها وفق أنظمة وقوانين خاصة جدا واستثنائية ومجحفة للغاية.
تبلغ مساحة المحافظة 23333.59كم2 أي تشكل 12.6% من مساحة سوريا البالغة 185180كم2 , ويبلغ عدد سكانها 1245000 نسمة ويشكلون 7.18%من سكان سوريا والبالغين1939600نسمة وفق السجلات الرسمية ولا تشمل المجردين من الجنسية والبالغ عددهم أكثر من ربع مليون وكلهم من أبناء الشعب الكردي حصراً . الكثافة السكانية في المحافظة هي 48نسمة/كم.
و وفق إحصائية عام 1936م, في ظل الاحتلال الفرنسي للمنطقة كان توزع السكان في المحافظة على الشكل التالي: 89الف كورد,43الف عرب,36الف مسيحي,2001يهود.
في الرابع والعشرين من شهر حزيران عام 1974 ارتكبت أبشع جريمة في حق جغرافية وتاريخ محافظة الحسكة وذلك بتجريدها من مصداقيتهما الطبيعية,حيث اجتمعت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بدمشق برئاسة الأمين القطري المساعد للحزب- رئيس لجنة الغمر/المستوطنين .
وأصدرت قرارها المشؤوم ذي الرقم 521تاريخ 2461974 والمتضمن إصدار الأوامر الى عضوي القيادة القطرية المعينين لتنفيذ الحزام ميدانيا والى لجنة الاستقبال وأمين وأعضاء فرع الحزب في المحافظة والى محافظ الحسكة وقائد الشرطة والأجهزة الأمنية وكل الدوائر المعنية ,بالبدء بتنفيذ الحزام العربي وفق الخطط المرسومة ويفوض المسؤولين باستلام الأراضي الزراعية ومحاصيلها , وتوزيعها على المستوطنين (المستقدمين )

كلف الأمين القطري المساعد للحزب –رئيس لجنة الغمر-محافظ الحسكة إسماعيل عقلة بإصدار القرارات التنفيذية اللازمة ,وهكذا نفذت الخطة بحذافيرها وبدأ المستوطنون العرب يتوافدون إلى المناطق الكردية تحت اسم المغمورين.
وأنشئ بموجبه حزام من المجمعات الاستيطانية العربية , بلغ عددها إحدى وأربعين مستوطنة بمحاذاة الحدود السورية التركية في محافظة الجزيرة بطول / 275 / كم وعرض بين / 10 و 15 / كم باسم مزارع الدولة , حيث جرى انتزاع مساحات واسعة من أخصب الأراضي الزراعية من أصحابها الكرد وسلمت إلى المستوطنين العرب الذين جيء بهم من محافظتي ( حلب والرقة ) بهدف تطويق الشعب الكردي بتجمعات عربية وقطع امتداده البشري والجغرافي مع كردستان تركيا والتي يشكل معها وحدة جغرافية وبشرية , وكذلك إنشاء عوازل استيطانية عربية في مناطق أخرى بهدف تمزيق البنية الديمغرافية في تلك المناطق
.
وهناك مشروع آخر ( عنصري و شوفيني بالتأكيد ) يجري تنفيذه بهدف طمس الوجود الكردي , وهو مشروع تعريب أسماء المدن والقرى والقصبات الكردية وحتى الجبال والأماكن الأثرية. والمفارقة أن الكرد الذين انتزعت منهم أراضيهم ومنحت للغمر يعانون الآن من فقر مدقع، بل أن الكثير منهم يضطر إلى أن يعمل كعامل مأجور في ارض كانت له قبل قدوم هؤلاء المستوطنين .