القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 285 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي




























 

 
 

مقالات: كردستانيات 21- مأساة الكُرد بين صلاح الدين الأيوبي وسليم بركات

 
السبت 16 ايار 2015


 ابراهيم محمود

بين الرجلين الكُرديين: الفارس الإسلامي المغوار صلاح الدين الأيوبي " ت 1193 م "، وفارس الضاد العتيد سليم بركات: شعراً ونثراً سليم بركات، فاصل زمني يقارب ثمانية قرون، سوى أن ثمة مأساة كردية بأكثر من معنى تصل ما بين الكبير بسيفه والكبير بقلمه، كما لو أن المسافة الزمنية تنعدم هنا، عندما يجري توجيههما بصيغ شتى، في المسار الخارج عن كرديتهما، كما هو انشغال العربي بشئون وشجون " ضاده "، وحتى عند غفلة نسبة كبيرة من كردهما جرّاء الإزاحة هذه، تباهياً مع خلاف المقصود.


المكتوب هنا ليس كشف حساب تاريخياً، ولا الإلزام بلغة " إما- أو "، إنما هي محاولة إضاءة لخطيئة تاريخية، ثقافية، لكم تعمقت سيكولوجياً لدى الكثير من كردنا وهم يتظللون بما هو إسلامي فيرحَّب بهم أيوبياً، رغم التصعيد بمواقف مختلفة ضدهم، وثم هم يمضون قدماً في اعتماد العربية لسان حال أدبياً وثقافياً عربياً، ليرحَّب بهم بركاتياً مع فارق الإبداع، إلى جانب العمق الدلالي لكثير آخر بالمقابل، لما أطلقه بركات بشأن بني جلدته لحظة المقارنة بهم .
إن الصورة التي يُراد لها ظهوراً بالنسبة للاثنين تتعلق بالنسبة الحسابية فالهندسية: في الأولى بالمعنى الكمّي، وفي الأخرى بالمعنى النوعي أو الاعتباري. إذ إن الحد الأدنى من القيمة المطلوبة لجعل الأكراد كرداً، والجغرافيا الكردية ذات مسمّىً كردستاني، والهوية الكردية تحمل بصمة كردية، لا يقارَن، أو لا يستحق الذكر، جهة الحد الأقصى من القيمة التي تبقي ابن الأيوبي في الواجهة، ومن خلاله تتشكل الظلال الكردية، بقدر ما يأتي الاعتبار الأدبي " الأخلاقي " بالنسبة لسليم بركات رغم كل التقريظ له، أكثر من تمييزه كردياً ولديه لغة وكينونة كردية من جهة الانتماء، وكأن الإصرار على إبقاء الاثنين بالصورة هذه إقصاء لما هو كردي جغرافيا وتاريخاً .
ولنقرّب الكاميرا بفتحتها الواسعة من الجاري أكثر: في بلد عانى شعبه ولا يعاني الكثير، هو الشعب الفلسطيني، وهو البلد ذاته الذي احتضن البطل الإسلامي، أو العربي دون الكردي كثيراً: صلاح الدين الأيوبي، قبل ثمانمائة عام، هو نفسه البلد الذي انساب إبداع بركات باسمه كثيراً خارج فضاء مجلة " الكرمل " ذات الصلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبإشراف من المبدع الفلسطيني الراحل محمود درويش، واستمات بروحه بين بيروت وقبرص، في أوج تعرُّض الكرد لطغيان عربي صدامي، كان رمز مقاومة درويش، ياسر عرفات، ومعه من معه، وليس انتهاء بأحمد ياسين طبعاً، يهلّلون لـ" أبو عدي وقصي وحلا .."، أم تُرانا هنا نزيّف تاريخاً ينبسط أمامنا ؟، ولا أظن درويش بخُل في هذا المضمار.
في هذا السياق، لم يدخر كثيرون جهداً في إبراز الدور الهامشي لابن الأيوبي الكردي، حيث الجيش الحطّيني كان إسلامياً أكثر، لم يدخر آخرون جهداً في إظهار مدى تواطؤ ابن الأيوبي الكردي مع الصليبيين والتآمر على الإسلام وحتى" العروبة " لأنه باع القدس وغيرها للفرنجة، على ذمة " حسن الأمين " في أكثر من كتاب، ولم يتردد الشاعر والكاتب السوري الكبير  محمد الماغوط في اتهام بركات بالعنصرية، وهو يبدّع بالعربية للإيقاع بقرائها من العرب طبعاً.
لأذكّر إذاً بما قاله سعدي يوسف الشاعر والكاتب والمترجم العراقي الشيوعي القومي العربي تالياً، وهو يعظّم مكانة بركات، حين كان في بيروت، مع المقاومة الفلسطينية مقاتلاً وكرملياً " يعمل سكرتير تحرير في مجلة الكرمل الفلسطينية "، قبل أكثر من ثلاث قرن " إنك أعظم كردي بعد صلاح الدين – ومن ثم- واليوم، بعد ربع قرن من مر الزمان، أعود إلى القولة ذاتها، وأنا أكثر اطمئناناً إلى صوابها، بعد أن شهدت ما شهدت، وعرفت ما عرفت .."
ولقد منح فارس الإسلام ابن الأيوبي من دمه ودماء بني جلدته الكثير لأخوته العرب والمسلمين، مثلما ضيَّق الخناق على بني جلدته جرّاء هذه الحجة حتى اليوم، بعدما عاينت ما عاينت، وبالمقابل، أعطى بركاتنا الكبير الكثير من إبداعه الأثير لأخوة الضاد ليجري تعظيمه، وهو لما يزل يعطي ويعطي مقارنة بالقليل القليل لكرده، وهم في أتون مصيرهم التاريخي، بعد ما شهدت ما شهدت وعرفت ما عرفت، وتحديداً، حين رأى ابن يوسف " سعدي "  في كردستان " قردستان "، ربما لرد جميل بركاتي، إنما لجعله هو وابن الإيوبي استثنائيّين ؟ يا لبؤس المتخيَّل في بأس السافر وعنفه !
تُرى ماذا منح، أو يمنح العربي المعتبَر لأخوته الكرد في الإسلام والإنسانية ؟
وإذ أتكلم بالطريقة هذه، حسبي أن أقول: إن ما أشدد عليه هو حاصل مكاشفتي للمفارقات، ومن خلال تجربة في الجهتين: العربية والكردية، رغم أن الذي  أتلقاه وأعيشه هو حضوري العربي بكثير رغم الكثير من النقد الموجَّه إلى مفهوم الآخر عربياً، وبؤس التعامل كردياً حتى اللحظة، وهذا التشديد لا يلغي دوام التفاعل مع الجهتين، إنما هو مأزق آخر: كردي العلامة والإقامة، وما يترتب عليه " المأزق " من تباهي الكرد كثيراً بشهادة من يمدحون رمزاً لهم للإيقاع بهم قديماً، ورمزاً أحداً لتعزيز من يقتفي أثره، وثمة كثيرون يصلون ليلهم بنهارهم ليكونوا بركاتيين حتى لو تحقق ذلك أمَّعياً طبعاً، وتلك لعبة أخرى تتعدى حدود النظر الحسي لمن يمتلك حسّاً .
هنا، لا بد من التأكيد، على أن اللغة لم تكن يوماً شهادة تخرُّج في أكاديمية " قومية " تعنيها، إذ حسب الناطق أن يتكلم وقد أودع كلامه، لغته، كتابته ما يضيء روحه وهي تسمّي شعبه، أمّته، أو تعرّف بحقيقته الذاتية وموقعها، وفي المواقف الصعبة أو الحاسمة، وما كان لي أن أختتم قولي هذا بهذا إلا لأن هناك مأساة الكردية بكردها الذين يتشدقون بما لديهم من لسان يتطاول بكردية لا تمنحهم تلك القيمة الذاتية كما ينبغي، فكيف بجغرافيا وتاريخ يسمّيان أهلاً لهما ولو بلغات أخرى. وتلك مأساة أخرى لا تقل خطورة عما سمّيناها آنفاً .
دهوك  

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات