القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 227 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي




























 

 
 

مقالات: الطوطم الكردي المعاصر

 
الأربعاء 28 تشرين الثاني 2018


ماجد ع  محمد

كما كان التخلف السائد بين شرائح كبيرة من الشعب الهندي وراء رفع أحد كبار مسؤولي دولة بريطانيا العظمى، البقرة في نيودلهي إلى مرتبة الكائنات المقدسة، كان التخلف الاجتماعي والسياسي لطائفة لا بأس بها من الكرد دافعاً مباشراً لدى الأنظمة التي ضمت المناطق الكردية إلى حكمها وفق اتفاقية سايكس بيكو، لرفع بعض الشخصيات المختلقة من قبل أجهزتها الأمنية إلى مستوى القداسة، ومع أن الطوطمية كمفهوم وممارسة تم انقراضها لدى أغلب شعوب العالم، إلا أن صداها ما تزال حاضرة بأوجه مختلفة لدى بعض شعوب المعمورة ومن بينهم الشعب الكردي، إذ رغم لادينية المجتمع الكردي (السوري على وجه الخصوص) وتخلصه نوعاً ما من مخانق القبلية التي كانت عبر التاريخ  المصدر الرئيسي لتقديس الطواطم، إلاّ أنها ابتلت بتقديس طواطم بشرية حية، من لحم ودم، وهي لا تقل تأثيراً على تلك الفئة من المجتمع عن دور الطوطم وتأثيره في المجتمعات البدائية.


إذ مع كل التقدم التكنولوجي الحاصل في العالم، ومع التطور الهائل في وسائل التواصل بين البشر، إلاّ أن ثقافة الخرافة المقدسة قد تعود في أي مجتمع من المجتمعات الحديثة إلى الظهور مجدداً لأسبابٍ ما خارجية أو داخلية، وهنا ظهور ما يشبه الطوطم في المجال السياسي ليس بالضرورة أن يكون منبثقاً عن فكر أبناء الملة نفسها، إنما قد يعمل على إيجادها في ملةٍ ما جهة سياسية، أو نظام له مصلحة في انتشار الخرافات والأساطير، وذلك من أجل سوق المؤمنين بذلك الطوطم إلى الجهة التي يبغيها صانع الطوطم من دون أي اعتراض أو تذمر من قبل المؤمنين بتلك الخرافة التي بلغت مرتبة القداسة.
ولعل آخر تصريحات أحد قادة الأوليمب في كهوف قنديل، ألا وهو القيادي مراد قريلان يعزِّز ذلك التوجه، وذلك التقديس الأعمى لشخص رئيس حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، حيث أن دمار نصيبين وبوتان وسور آمد، وشرناخ وتهجير أهالي عفرين لا يشكل أي أهمية لدى رهط قنديل، ولا لدى الكائنات المسرنمة في مشيتها خلف ذلك الرهط الهيصاوي، بينما صحة القائد الطوطم، وديمومة تمجيده، وحياته كرمز شبه مؤله أهم من حياة ملايين الكرد في العالم، فيرى قريلان حسب وكالة هاوار الموجهة لأتباع الطوطم، بأنه "يجب أن يكون الهدف الأساسي من كافة الفعاليات هو تحرير قائد الشعب عبد الله أوجلان، وأن حرية القائد تعني حرية كافة شعوب المنطقة، تعني حرية الشعب الكردي"، فلا يشغل بال القائمون على أسطرة المسيو أوجلان غير الأخبار التي تتناول الطوطم الرمز، وضعة الوجودي، وفيزيقية مكوثه الميتافيزيقي، وتحركه الهلامي عبر سديم الفكر الكوني، والإيحاءات المستنبطة من جوهره المقدس.
علماً أن هذا الحزب لو كان صادقاً في رغبته بتحرير الرمز، لقدر على تخليص الطوطم من تلك الجزيرة بكل يسر، طالما أن أغلب عناصر المافيات التي تقوم بتهريب البشر إلى خارج وداخل تركيا هم مقربون من ذلك التنظيم، ولكن يظهر أن خروجه أولاً ليس من مصلحة الأنظمة التي ساهمت في صنعه وأسطرته، وحاربت به الكرد ومن ثم حاربته بنفسها، وثانياً ليس من مصلحة رهط قنديل المعتاش على تلك الأسطورة منذ سنوات، الأسطورة التي تشوَّه وعن عمد وعي أمَّة بأكملها لقاء الإبقاء على الطوطم المختلق كما هو، لأغراضٍ لا شك هي أقل أهميةً من حذاء أي طفلٍ كردي في العالم، ولكن هذا دأب صنّاع الطواطم الذين لا يأبهون بمصالح الأمم، ولا بتواريخها ولا بإرثها الحضاري، إنما ديدنهم القضاء على ثقافة الشعوب من خلال تقديس بضعة طواطم تم خلقها وإيجادها والنفخ فيها من قبلهم، ومن ثم جعلوا طائفة كبيرة من الملة تبتلي بها، ويبقى الهدف الدائم من تعظيم الطوطم هو الإبقاء على دعائم التخلف في ذلك المجتمع الذي يحاربونه من الداخل أكثر من الخارج.
ولكي لا نطيل المقالة سنورد حكاية البقرة المقدسة في الهامش، وذلك لتصورنا أن الكثير من القراء يذكرون القصة الشائعة عن السفير البريطاني* في الهند، الذي كان يلاحظ بأن ثمة يقظة تلوّح في الأفق لدى الشباب الهندي، وأن هناك رغبة جامحة لديهم بالتخلص من المعتقدات الخرافية التي تكبل حياتهم، وتمنعهم من التطور والتقدم للأمام، وبما أن اليقظة ليست من مصلحة المستعمر، أي مستعمرٍ أو محتلٍ كان، لذا عمل السفير من خلال سلوكه العلني الملفت للانتباه مع البقرة على تشجيع الخرافة، والحض على تبجيلها، بل ومن باب المزاودة قام بتوبيخ الشاب الذي هم بركل البقرة رغبةً في التخلص من الاسطورة المقدسة. 
وبخصوص تسخيف العقل الكردي وجعل الكرد يلتهون بالقشور وينحون جانباً قضيتهم القومية الأساسية، ذكر الحكواتي الكردي مصطفى  صاغر قبل وفاته بعدة سنوات في منزل أحد معارفي بمدينة حلب "أن الأمن السوري جعل كل مريدي حزب العمال الكردستاني في سورية فترة من الزمن، يتعرفون على بعضهم من خلال الأحذية، مؤكداً أن الأمن السوري هو من أوحى لقادة الحزب بأن يأمروا كوادرهم بانتعال نوعٍ معيَّن من الخفافات (الأبواط) حتى يسهل التعرف عليهم من قبل العامة"، ولم يكتفي الأمن بجعل عقول المريدين مشغولة بالأحذية والهندام وليس بالرؤوس وما يدور فيها وما تنتجه، إنما جعلوا بالتوافق مع الأنظمة الأخرى من عبدالله أوجلان طوطماً حقيقياً، لدرجة أن عدة مريدين قد أشعلوا النيران بأنفسهم كرمى ذلك الطوطم أوان اعتقاله! بينما لم نسمع عن أحدهم قدّم نفسه قرباناً لأجل أية منطقة كردية في كل مناطق تواجد مريدي ذلك الحزب؟!  بل ومنذ نشأة ذلك التنظيم تم تحوير وتشويه تاريخ الكرد برمته، وفصلوه على هوى الطوطم، ومزاج أتباع الطوطم، وتقزَّمت الثقافة إلى مستوى شعارات وهتافات مقدّسي الطوطم، حتى غدا الكرد في مناطق انتشار أتباع حزب العمال الكردستاني رهينة الطوطمية السياسية في العصر الراهن، علماً أنه لم يُذكر شيء عن العقائد الطوطمية لا في التراث والفلكلور الكردي ولا في التاريخ الكردي؛ ولعلّ هذا ما لمّح إليه وزير الخارجية الأمريكي، كورديل هل، وذلك بقوله: "إذا أردت أن تلغي شعباً ما، تبدأ بشل ذاكرته التاريخية ثم تشوه لغته وثقافته، وتجعله يتبنى ثقافة أخرى غير ثقافته، ثم تلفق تاريخاً آخر غير تاريخه، وتعلمه إياه، عندئذ ينسى هذا الشعب من هو ومن كان وتندثر معالم حضارته، وبالتالي ينساه العالم ويصبح مثل الأمم المنقرضه"، ويبدو جلياً أن من ساهموا بخلق اسطورة أوجلان كانوا أردأ عشرات المرات من السفير البريطاني الذي عزّز تقديس مقدسٍ سابق، وذلك بكونهم خلقوا طوطماً لم يكن أصلاً موجوداً، فأوجدوه ومن ثم نشروه بين الكرد كأحد أبرز المقدسات، وذلك لسوق المؤمنين به متى ما أرادوا إلى الجهة التي يرغبون من خلال ذلك الرمز، وإن أرادوا قدّموا الكرد من خلاله للعالم كشعبٍ متخلفٍ بدائي يتعامل مع الطوطم في العصر الذي لم يعد فيه شيء من معالم الطوطمية، وإن أرادوا حشروا الكرد مع ذلك الطوطم الذي قام إعلام الذين أوجدوه وعظّموه بتبشيعه فيما بعد، وذلك حتى يتم محاربة الكرد من خلاله، كما حصل في معظم المدن الكردية في تركيا، وكذلك ما جرى مؤخراً بذريعته في منطقة عفرين شمالي سوريا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حيث يقال إن سفير بريطانيا في نيودلهي كان يمرُّ بسيارته مع قنصل بلاده حين رأى شاباً يركل بقرة، فأمر السفير سائقه بأن يتوقف بسرعة، وترجّل من السيارة مُسرعاً صوب البقرة "المقدسة" يدفع عنها الشاب صارخاً في وجهه، ويمسّد على جسدها طلبا الصفح والمغفرة وسط دهشة المارّة الذين اجتمعوا بعد سماع صراخه، ووسط ذهول الحاضرين اغتسل السفير البريطاني ببول البقرة، ومسح به وجهه فما كان من المارة إلاّ أن يسجدوا تقديراً لربّهم البقرة، ذلك الربُّ الذي سجد له الغريب، وقد أتوا بعدها بالشاب الذي ركلها ليسحقوه أمام البقرة انتقاماً لقدس مقامها ورفعة جلالها، عندئذٍ عاد السفير بربطته وقميصه المُبلل بالبول وشعره المنثور ليركب سيارة السفارة إلى جانب القنصل الذي بادره السؤال عن سبب مافعله وهل هو مقتنع حقاً بعقيدة عبادة البقر؟؟ فما كان من السفير إلا أن يقول للقنصل: إن ركلة الشاب للبقرة (المقدسة) هي صحوة وركلة للعقيدة التي نريدها! ولو سمحنا للهنود بركل العقائد، لتقدمت الهند 50 عاماً الى الأمام، وحينها سنخسر وجودنا ومصالحنا الحيوية، فواجبنا الوظيفي هنا، أن لا نسمح بذلك أبداً، لأننا نُدرك بأن الجهل والخرافة وسفاهة العقيدة هي جيوشنا في تسخير المجتمعات. 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.66
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات