كم أن قلوب أبناء شعبنا مع من يعملون فهم يحرسونه وإن عن بعد!!
ناهيك عن إن الشهيد مشعل التمو عندما لم يتمكن من إيصال ما وقع بين يديه من - فيديوهات- إلا بعد أن اصطحب معه زوجته أم فارس بسيارته - البيضاء- وكانت تلك مغامرة جد شجاعة، لاسيما إذا علمنا أنه قام باستنساخها في قيصيرية - الصوفي برو- مقابل البلدية المدججة بالحرس، ويتذكر كل من الصديقين المهندسين: ريزان شيخموس وأكرم حسين كيف أنه وزوجته تعرضا في القيصرية للخطر، ونجوا بأعجوبة!؟
ثمة من يتحدث عن فيديوهات أرسلها للإعلام بعد الانتفاضة أو ربما نوروز الرقة 2010، أجل، إن أهمية إرسال مثل هذه الفيديوهات تكمن في إرسالها في الوقت المناسب، مع حرارة الحدث، لأنني أعرف بعض أصحاب - الأستوديوهات- أتلفوا ما صوروه، خوفاً من إرهاب الأجهزة الأمنية، بعكس من قدمها ببسالة منقطعة النظير للإعلام، كما إن هناك من بات يخلط الأحداث - بعضها ببعض- كأن ينسب جزئية ما جرت أثناء تشييع جنازة الشهيد الشيخ محمد معشوق خزنوي على إنها حدثت في الانتفاضة أو عشية استشهاد المحمدين إلخ، وهذا ما يأتي من سببين: أحدهما الالتباس بسبب التقادم الزمني والثاني بسبب الرهان على هذا التقادم و"صناعة الأمس بمعيار اليوم" كما قلت ذلك في أكثر من مقال.....
في أربعين شهداء الانتفاضة، أتذكر أن هذا القيادي الحزبي كان يحيل الاتصال الهاتفي - مع الفضائية المقربة منه- إلى -مثلاً- باعتباري إعلامياً، ويحدثني أن من اعتمده من مقربيه ليتواصل مع هذه الفضائية. بهذه المناسبة بات خارج البيت، واستمر الحال هكذا حتى الذكرى الأولى للانتفاضة، أذكر أن شاعراً كلف بإلقاء قصيدته- بالكردية- إلا إن الصديق ريزان أرسل إلي من بين الجمهور رسالة " SMS" إلى هاتفي قائلاً لي:
امسح اسمه فهو يعتذر
قائلاً: لم أرتد إلا قميص- نصف كم- وأرتعش من البرد!
أتذكر، أن الصديق محي الدين عيسو قام بجمع الكثير من المقالات والبيانات التي صدرت بخصوص يوميات الانتفاضة، وطلب مني كتابة مقدمة لها، إلا إنه تفاجأ - بحذف المقدمة واستعاضة أخرى بدلاً عنها- وترحيل مقالاتي إلى آخر الكتاب، وهوما دعا الراحل إسماعيل عمر لزيارتي والاعتذار مني، وقد أرسل إلي الصديق المحامي شهاب عبدكي نسخة منها، وأنا في الإمارات، إلا إنها ضاعت، بين أرشيفي الذي ضيِّع بسبب استهتار أسرة أؤتمنت عليه، في الإمارات. ويعرف رفاق حزب الوحدة أن بيتنا كان أول عنوان إعلامي- غيرحزبي- له عندما كان يتم اعتقال رفيق له، وما زالت الحملة التي قمنا بها أثناء اعتقال رفيقه الشيخ آلي في ذاكرتي وذاكرة رفاقه!
إنني أحدد، هنا، كل من نشر باسمه الصريح، في الأيام الأولى للانتفاضة، عندما كانت الدبابات تحاصر المدينة، هذه الكتابات - تحديداً- أنظر إليها باهتمام كبير، بيد أن اللقاءات. الكتابات التي كتبت بعد ذلك، فإن أصحابها مشكورون إلا إن لها معايير قيمية اعتبارية أخرى، أتذكر أن قلة جد قليلة ظهروا بمناسبة مرور أربعين يوماً على الفضائيات بأسمائهم الصريحة - ومنهم من لم تكن له مساهمات كتابية أو متلفزة- وكان السبب هو أن زمن الحدث كان ماثلاً أمام الأعين، وأن أي شخص خرج للتنظير للانتفاضة - من الداخل- فهو مضطر لعدم المبالغة وزعم فعل ما لم يقم به، وإن حصلت حالات طفيفة حاول أصحابها، إعادة التوازن الذاتي إلى أنفسهم بعد شعورهم بأكثر من هزيمة داخلية، إلا إنه مع تقادم الزمن، بتنا نجد أن أكثر الذين ينظرون للانتفاضة عبر الفضائيات، أو عبر الجلسات الخاصة، وحتى الكتابة ممن لم يكونوا فاعلين البتة، وعلى هؤلاء، أن يعترفوا بذلك.
قبيل سفري والشهيد مشعل إلى أوربا - بعد الانتفاضة- جلسنا في أحد المطاعم- وكانت الحياة قد عادت إلى المدينة، وتمَّ فكّ الحصار، فقد اتصل بي أولادي أن فلاناً وفلاناً قد زاراني، فاستأذنت ممن معي: أحمد حيدر - سيامند ميرزو أن أدعوهما إلى مكان تواجدنا فوافقا. خلال اللقاء قال أحد هؤلاء:
إنني أشعر بالخجل من صمتي وأعترف بشجاعة "...." وكل من وضع روحه وأرواح أسرته على كفه واتخذ موقفاً
وإن – ربما- سيتنكر هذا النموذج- لاحقاً- لمثل هذا التصريح، ويستفيد من عالم التقادم، وتشويش الذاكرة، ويدعي القيام بمواقف ما، لم يقم بها، وإنني الآن أعدني جد مخطىء، لأنني لم أسم كل شيء باسمه، فيما يتعلق بحالات التهرب من أداء الواجب الإنساني، إذ أتذكر أنه في لقاء فضائية "روج تي في" معي والشهيد مشعل في استوديوها البلجيكي، رافعت عمن لم يتخذ موقفاً، ومازلت أفعل ذلك، محيلاً ما تم إلى قوة الصدمة وآملاً الاستعاضة عن هذا التقصير الذي راح بعضهم يعالجه عبر التدليس والافتراء على من أدوا واجبهم، ليتساووا بهم، إذ إنني والصديق إبراهيم محمود والشهيد مشعل وآخرين ممن كانت لهم مواقف تعرضنا لحملات منظمة من قبل بعضهم - وبأسماء مستعارة- في محاولة من أصحابها خلط الأوراق، والحفاظ على ماء الوجه، أو نتيجة حسد ما، أو أداء دور مطلوب، كما فهمنا لاحقاً من قبل بعضهم الآخر.
شخصياً، أفهم وأتفهم مثل هذه الحالة. حالة أولاء الذين اتخذوا مواقف عدائية، ممن وقف مع شعبه، ولا أكترث بها البتة، لأنني أعرف- في المقابل- كم بيننا من أصحاب الضمائر الحية: عوام ومثقفين، والسياسي الحقيقي مثقف-، بلا أي شك!
حقيقة، كأحد الذين دونوا يوميات الانتفاضة أشعر بحزن شديد، لأن مدونة الانتفاضة لم يتم الاشتغال عليها، وأن مئات المقالات التي كتبت عنها بأقلام كتابنا في الخارج والداخل لم يعد لها من أثر، بسبب اختفاء- روابطها، من ذاكرة غوغل، باختفاء- المواقع الإلكترونية، وقد أطلقت نداءات كثيرة، من أجل ذلك، إلا إنها لم تلاق ما يلزم من استجابة، لاسيما إن أعداد مهندسي وخبراء الإنترنت والمواقع الإلكترونية أصبح الآن بالآلاف، بعد أن انطلق عدد قليل من شبابنا، لحظة توافر و انتشار الإنترنت، بجهود شخصية، وهم معروفون. هم أولاء الذين أسسوا وأطلقوا أول مواقع الإنترنت. المواقع التي كانت أعمدة في وزارة إعلام كردستان افتراضياً..!
*
انتهيت من الإعداد الأولي لجزئين من ثلاثة أجزاء من مدونة الانتفاضة. الجزء الأول يتضمن ما تبقى من مقالات كتبتها، بينما الجزء الثاني هو شهادات بعض الأصدقاء محامين وساسة وناشطين قمت- بمساعدة مقربين- بجمعها منذ عشية الذكرى الخامسة عشرة وواصلت استكمالها إلى اللحظة، أما الجزء الثالث ففيه: البيانات - الأخبار- بعض المحاكمات التي وصلتني من أصدقاء محامين في قامشلي- عفرين- حلب، ومازلت في انتظار استكمالها بضم محاكمات بعض من اعتقلوا في كوباني على خلفيتها إليها
والعمل عليها يحتاج ورشة تقنية!
الحلقة التالية: حول من أوصل وثائق و فيديوهات الانتفاضة إلى أمنستي في بيروت؟