عليك أن تذكر كل هؤلاء و غيرهم بقومياتهم، و تواريخهم القديمة، عليك أن تفرق بين أولئك الذين لو أرادوا خلع الجبال من أماكنها لخلعوها، و لكن تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"
لقد استطاع الغرب أن يفعل كل هذا بالمسلمين، بالأكراد البواسل، بالفرس الكواسر، بالترك و تاريخهم العظيم، بالعرب أهل المجد و الشرف، و أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبناء جلدته، و كانت الفُرقةُ و حدث الشقاق بين أمة لو قدر لها أن تجتمع على كلمة واحدة لأصبحت أكبر قوة في العالم يمكنها أن تتصدى لقوى العالم مجتمعة.
و في هذا الكتاب الذي شجعني على أن أقدمه بين أيديكم إخواني الأكراد البواسل الذين يشعرون – و أشعر معهم – بأنهم ظلموا و لم يأخذوا حقهم –كما يجب- في التاريخ، و لذلك فإنني آثرت – بعد أن نصحوني بذلك – أن أقدم هذا الكتاب على حلقات لكي تكون الفائدة أيسر و أشمل للقارئ العزيز، و عرفاناً مني بقدر إخواننا الأكراد و إسهاماتهم المؤثرة في الإسلام آثرت أن أبدأ بهم، راجياً من المولى عز و جل أن يصبح هذا العمل فاتحة خير للمصالحة بين المسلمين في كل بقاع الأرض، بين الأكراد و إخوانهم العرب، بين الأكراد و إخوانهم الترك، بين الأكراد و إخوانهم الفرس، بين المسلمين في أرجاء الأرض، لعلنا نستيقظ يوماً و قلوبنا ساكنة هادئة مطمئنة تحت شجرة الخلافة الوارفة، الخلافة الإسلامية التي طالما ضمدت و تضمد جراح الفرقة و الفتن.
و إذا كنا نحن المسلمين الذين تنبض دماؤهم بكل معاني الحب و الإخاء لا نشعر بتلك القضية فمن ذا الذي يستطيع ذلك و من ذا الذي يريد ذلك، إننا جميعا في حاجة ماسة إلى تلك الروح التي تجمعنا، و نحلم باليوم الذي يفيق فيه ذلك الأسد الجريح، و يلملم جراحاته، ليصمد أمام تلك الهجمات الشرسة التي تقتطع من جسده القطعة تلو الأخرى، رغبة في موته، و انفصام عرى تلك الروح الإسلامية التي تجتمع لها قلوب المسلمين راضية مرضية في يوم جليل كيوم الحج الأعظم.
و إذا كان الغرب قد لقب سلطان الدولة العثمانية – في وقت من الأوقات – برجل أوروبا المريض، فحسبنا أن نبايع هذا الرجل بدلاً من أن نخنع أمام جيوش الغرب الطاغية، و لا يعنينا إذا ما كان مريضنا كردياَ أم عربياً أم فارسياً أو حتى تركياً، إذ بإمكاننا أن نعالج ما مسه من سقم، بأن نسد ما بيننا من فُرَجِ الشقاق و الخلاف.
و إذا كان صلاح الدين الأيوبي – و هو الكردي الأصل - قد قاد المسلمين إلى الانتصار على كل الصليبيين، و لقنهم درساً لم و لن ينسوه، فإن ذلك يدل على أن للإسلام رجالاته من الأكراد البواسل مثلهم في ذلك مثل العرب و الفرس و الترك.
أما مسألة الأصل و القوميات فحسبنا أن نحاول جاهدين أن نثبت للعالم أجمل أننا الأكراد و العرب و الفرس و الترك و... ذوي قربى و أن هذه القربى قد تلاشت بسببها فوراق القوميات الهدامة، و لسوف نحاول أيضاً أن نثبت من خلال هذا الكتاب أن ثمة قرابة عرقية تربط بين بعض هذه القوميات.
و لعلى لا أكون مخطئاً إذا قلت: إن شعور الأكراد بالغربة، و كذا شعور اللاوطن لم يكن بسبب الغرب فحسب، بل إننا – جميع المسلمين – نتقاسم هذا الخطأ لأننا لم نهتم بذوينا من الأكراد، و نسينا أو تناسينا ما لهم من دورٍ فعال في التاريخ الإسلامي، و إذا كانوا يطالبون بوطنٍ لهم، فإن ذلك قد نجم عن تجاهلنا لهم و ابتعادنا عن قضاياهم، و إشعارهم بالغربة في أوطانهم.
و عليه فلسوف أعرض في الحلقة التالية للأكراد و أصلهم، و العرب و الفرس و الترك، و علاقتهم العرقية بالأكراد، محاولاً إثبات مدى العلاقة بين هؤلاء حتى و لو لم يرتبطوا بإخوانهم المسلمين من جهة الإسلام.
إن الهدف المرجو من هذا الكتاب هو رأب الصدع الدامي بين الأكراد من ناحية و العرب و الفرس و الترك من ناحية أخرى، حتى لا يصبحوا وسيلة سهلة يستغلها الأعداء لتوسيع هوة الشقاق، و إذكاء نيران الخلاف.
و إذا كان الموقف الكردي التركي – اليوم – ينذر بكارثة تاريخية لا تحمد عقباها، فلعلنا ننتبه إلى الأسباب و الدواعي التي أوجدت هذا الخلاف الدامي بين مسلمي تركيا و مسلمي الأكراد. و عليه فإنني سوف أبعث برسالة مصالحة – من خلال هذا الكتاب - بين الكرد و الترك، مثبتاً من خلالها، مدى التقارب بين الكرد و الترك، و أحسب أن رحلتي إلى استانبول التركية، مكنتني من رصد ظاهرة التآلف و المحبة فيما بين الكردي و التركي، على الرغم من وجود تلك المشكلات السياسية المتحمسة لأن يقضي كلاهما على الآخر، و لا إخال أن مثل هذا الصنيع، يضيف للمنطقة الإسلامية إلا الدمار و التقهقر إلى الخلف.
دكتور / خالد محمد أبوالحسن
مدرس اللغة التركية و آدابها بكلية الآداب
جامعة سوهاج